كتاب؛ تائه يبحث؟! مدخل علمي الى الايمان.تأليف: العلامة الشيخ حمدن ولد التاه رحمه الله ، المرابط ولد محمد لخديم الحلقة:(1)
دباجة؛
يتضمن الكتاب استكشافًا علميًا للعبقرية الشنقيطية وتقديم مقارنة بين التعليم المحظري والتعليم النظامي، بالإضافة إلى تحليل للتحولات الاجتماعية بين الحضر والبدوة.
يشمل المحتوى محاور تتناول البيئة، اللغة، والدين، بالإضافة إلى تقديم أدلة علمية ولغوية وفلسفية ودينية لدعم النقاط المطروحة. سعيا منا إلى توجيه القارئ نحو فهم أعمق لتلك الظواهر والتحولات الاجتماعية والتعليمية.
يسلط الكتاب الضوء على نقاط التقاء بين هذه الجوانب وتوضيح كيفية تأثيرها على تطور المجتمع الموريتاني والفهم الشامل للظواهر الاجتماعية والثقافية والتعليمية.
تقديم الكتاب:
كنت في كل رمضان أقدم بحثا أو كتابا جديدا بمناسبة الشهر الفضيل وقد تناقص هذا الاهتمام عندعودتي ارض الوطن نتيجة لأمور قاهرة...
في السنوات السابقة قدمت مقتطفات من كتاب مشترك جمعني مع شيخي العلامة الراحل حمدا ولد التاه رحمه الله
حولنا من خلاله أن نجد نقاط التقاء بين التعليم المحظري والتعليم النظامي محاولين الالمام بواقعنا كمجتمع فريدا من نوعه قد لا يفهم الآخر كثيرا من قضايانا الداخلية التي لا تخضع للدراسة..
وقد قسمناه إلى محاور:
الرافد البيئي...والرافد اللغوي...والرافد الديني..
بأدلة وبراهين علمية ولغوية وفلسفية ودينية..
قبل تقديم الكتاب يجدر بنا الاشارة الى حقيقة قد لا يدركها الكثير من الباحثين عند تناولهم لعبقرية الشناقطة حيث يغفلون العنصر الخارجي مما يجعل بحوثهم ناقصة فالعبقرية الشنقيطية مزيجا من العلوم الظاهرة والفيوض الربانية. فلابد أن ندرج هذا العنصر حتى تتكامل العوامل المؤثرة في العبقرية الشنقيطية وليست وقفا على الزوايا بل قد توجد من خارجهم كما توجد فيهم وذالك فضل الله يؤتيه من يشاء
وهذا مالم يفهمه المفكر الحديث عند تحليله لعبقرية الشناقطة..‼
وهذا مايتطلب دراسة وتحليلا نوعيا من خبراء عارفين بالشأن الموريتاني وأن هذه البداوة التي هي أبعاد بنيتنا الاجتماعية تختلف عن المفهوم الخلدوني لأنها بداوة عالمة..
مابين الحضارة والبداوة;
تعنى الحضارة في الأصل سكنى الحاضرة, فالإنسان الحضري يسكن في تجمع سكاني كبير نسبيا,قد يكون مدينة أو قرية, وكلما كان عدد سكان ذالك التجمع أوفر نظر إليهم على أنهم أعرق في التحضر,كما هو الشأن في نظرة معظم الناس إلى سكان العواصم الكبرى اليوم,..
الناس فى البداوة, ينتجون _ كما يذكر ابن خلدون _ من السلع والأدوات ما يعد ضروريا لبقائهم على قيد الحياة, فعالمهم هو عالم الضرورة المعزول _ تقريبا_عن المرهفات.
أما في المدن, فالوضع مختلف, فالسلع الضرورية أصناف, والسلع الكمالية أشكال وألوان. وكلما أغرق الناس في الحضارة, اتسع مدى لاختيار لدى الواحد منهم.
لكن البداوة في المفهوم الخلدوني تختلف عن بدواتنا لأن بداوته أمية وبداوتنا مثقفة وقد نقلتها المفاهيم الإسلامية في مختلف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية نقلتها الى تصورات من الناحية النظرية عميقة لكنها من حيث الواقع غائبة وهذا ما يمكننا من الاستعانة بأنماط الفتاوى التي صدرت عن علمائنا في البادية نستعين بها في مليء ذالك الفراغ الحضاري ونحاول أن تكون تصوراتها جزءا كبيرا من ثقافتنا ونحن ولو كنا نشكر علمائنا الكبار الذين لم يتعرضوا لبعض الأحكام الغائبة في البدو مثل الجمعة والجهاد وبيع الأهوية لكننا في نفس الوقت يجب مليء هذه الفقرات حتى تكون لنا سندا حضاريا وفي هذا المجال نشيد بالعلامة الشيخ محمد المامي الذي حاول أن ينشئ فقها بدويا..
لكننا نطلب من علمائنا المعاصرين أن ينشؤا لنا فقها معاصرا فالدارس يدرك ضرورة التعرف على مختلف العلوم الاجتماعية والرياضية والفلسفية...
وهذا سيساعدنا في النقلة من البداوة الموجودة عندنا إلى حضارة إسلامية شاملة وهذا مايقتضي من محاظرنا توسيع مجالاتها لاستيعاب المفاهيم الحضارية وبعبارة أصح استرجاع بعض المعلومات التي كانت عندنا في الرياضيات حيث برهن علماؤنا من خلال المعاملات إلى توسيع دائرة الاحتمالات لتشمل جميع المجالات...!!
كان ذالك قبل أن تهمله المحظرة الجديدة ومن هنا فان مد جسور وحوارات بين المحظرة القديمة والجديدة التي أصبحت مجففة مما كان فيها من علوم ونكت..
حيث كانت تخرج جماعة من الموسوعيين أو ما يعرف بالفتيان وهي مجموعة لها معرفة شاملة من جميع المعلومات السابقة والحديثة بعيدا عن التخصص..
في حالة البداوة يكون تحكم الأعراف والتقاليد_ مهما تكن صحتها_ شديدا, والمسائل المتعلقة بالشرف والشهامة والمروءة تأخذ أبعاد فسيحة في حياة الناس. في حالات التحضر يقل الاحتفاء تدريجيا بهذه المسائل ,وتحل محلها سلطات جيدة,
فالمسحة الأنثوية تصبح أكثر تعميما,ويكون للاقتصاد والأخلاق التجارية القول الفصل في أمور كثيرة وتتم رعاية المصالح الخاصة بعناية كبيرة, ويهبط أناس كثيرون إلى مستوى الإنسان: المنتج _المستهلك.
فحياة الحاضرة توفر فرص الاستهلاك على مقدار ما توفر فرص الإنتاج. وتتهمش في المدينة علاقات اجتماعية عديدة ,ويتم غض الطرف عن احتياجات إنسانية متعددة, من اجل الوفاء باحتياجات العيش الراقي.
د_ الطموحات في البادية ضعيفة, لأن الخيارات والبدائل المتاحة محدودة, ومدى ما يصل إليه خيال الواحد من أهلها قصير, لأن الفوارق الطبقية في البادية ضئيلة.
أما في المدن والحواضر ,فكل شيء مختلف,فهناك أحياء للأثرياء والمترفين, وأحياء أخرى مدقعة, تعيش على هامش المدينة...
ه_ في حياة البداوة يميل كل شيء إلى البساطة والعشوائية والتفكك, لأن مصالح الناس وأوضاعهم لا تتطلب شيئا غير ذالك , كما أن الأدوات التي تساعدهم على تنظيم ارقى لحياتهم, ليست متوفرة.
أما في الحضر فان لحياة تميل دوما نحو التعقيد, فتتبلور مجموعة من النظم العقلية والمادية والعلائقية التي لا تستقيم حياة المدينة بدونها,ولا يسع الناس الخروج عليها.
فعلى سبيل المثال نجد أن تنظيم الوقت والدقة في الأداء والمواعيد أمور لا يحيا الناس في المدينة بدون قدر مقبول منها, في المدينة تتسع علاقات العمل والزمالة والعلاقات الأسرية, على حساب علاقات القرابة والجوار..
إحساس الناس بالأزمات ,وإحساسهم بالمستقبل يمسى أشد, حيث لاشيء في المدينة يمكن الحصول عليه مجانا, وحيث يسود الخوف مما تأتى به الأيام _ على الرغم من الوفرة _ وذالك بسبب ضعف الدعم لاجتماعي الذي يحصل عليه ابن المدينة في حالة تعرضه للمخاطر.
وتأسيسا على هذه المقارنة... يتواصل....