شهدت أسعار خامات الحديد خلال الشهرين الأخيرين ارتفاعا صاروخيا غير متوقع، حيث قفزت بحوالي 50 دولارا ،وكسرت حاجز 160 دولارا للطن لتصل إلى مستوى هو الأعلى منذ أكتوبر 2011، و في تعاملات اليوم بلغت العقود الآجلة للخام القياسي العالمي 165 دولارا للطن، كما ارتفعت أيضا العقود الآجلة للخام الموريتاني تركيز 62% إلى 160.65 دولارا للطن بعد تحقيق قفزة بواقع 6.8 دولارا للطن. هذا في ظل حديث بعض الشركات عن تحقيق أرباح تصل إلى مستوى 130 دولارا لكل طن من المادة الخام، ولا شك أن السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو : هل ينطبق ذلك على شركة اسنيم ؟ في اعتقادي مدى استفادة بلادنا من هذا الارتفاع الهام للأسعار مرتبط بعدة عوامل، وللتذكير شركة اسنيم أعلنت خلال السنة الماضية عن تحقيق حجم مبيعات يصل إلى حوالي 12 مليون طن، بقيمة 880 مليون دولار مثلت 35% من حجم صادرات البلاد، كما أعلنت عن تحقيق أرباح بلغت 105 مليار أوقية قديمة، وفي اعتقادي أن العوامل التي أدت إلى تحقيق أرباح السنة الماضية قد تعززت خلال هذا العام، مما قد يقود إلى أرباح أكثر للشركة خلال العام الجاري، و من بين أهم هذه العوامل مايلي: أولا : الارتفاع العام للأسعار، حيث بلغ متوسط سعر طن بالنسبة للخام القياسي خلال السنة المنصرمة 93.41 دولارا للطن بينما كان هذا المتوسط يبلغ 69 دولارا للطن 2018 ، ومن المتوقع أن يصل هذه السنة حوالي 107 دولارا للطن. ثانيا : انخفاض تكلفة الطاقة التي تمثل نسبة معتبرة في تكلفة الاستخراج الإجمالية، حيث نحتاج إلى حوالي 30.74 كيلووات/ساعة لإنتاج طن واحد من الخامات، وقبل أيام أعلنت الشركة عن تسجيل انخفاض في تكلفة الإنتاج بمعدل 2 دولار للطن خلال العام الجاري، وفي اعتقادى قد يكون هذا الانخفاض يعود إلى حد بعيد إلى انخفاض تكلفة الطاقة، حيث انخفض متوسط سعر خام برنت من 71 دولار للبرميل سنة 2018 إلى 64 دولار سنة 2019، ومن المتوقع أن يبلغ 42 دولارا خلال السنة الجارية، وطبعا هذا الانخفاض ينعكس على المشتقات النفطية الأخرى. ثالثا : زيادة الإنتاج بصورة عامة، وخاصة من الخامات عالية التركيز ( تركيز عنصر الحديد فوق 62 %) ، حيث ارتفع إنتاج الشركة من 10.7 مليون طن سنة 2018 إلى 12 مليون طن سنة 2019 ، و من المتوقع أن يبلغ الإنتاج هذا العام حدود 12.5 مليون طن. و في المجمل العوامل التي وقفت وراء تحسن أداء الشركة خلال العام الماضي مزالت ماثلة بل تعززت، ولكن تبقى الآلية المتبعة في التعاقد لبيع الشركة للخامات هي العامل الرئيسي المحدد لمدى الاستفادة من هذه الطفرة، كما أن تكلفة الاستخراج العالية لدى الشركة، وتكلفة النقل عبر البحار العالية أيضا قد تقلصان من حجم الأرباح مقارنة بالشركات العالمية . يجب أن ندرك أن الاحتياطات المؤكدة من خام الحديد في بلادنا تقدر بحوالي 2 مليارطن، والمحتملة بحوالي 10 مليار طن، مما يجعلنا في المرتبة 12 عالميا في الحالة الأولى، و5 عالميا في حالة تأكيد المحتملة، وهذا مهم جدا، وقد يكون هو السر وراء استعمار واستقلال بلادنا معا، والأهم أنه يشكل حلقة وصل بيننا وسلسلة الصناعة العالمية، فخام الحديد هو المادة الأولية لصناعة الحديد والصلب ثاني أكبر صناعة في العالم بعد النفط والغاز بحجم أعمال يصل إلى حوالي 1.2 تيرليون دولار سنويا، وهو العمود الفقري لجميع الصناعات المدنية والعسكرية،إذ يقال أن النفط هو الدم الذي يجري في شريان الصناعة، والحديد غذائها. علينا أن ندرك أن العالم يشهد تغيرات دراماتيكية للسلسلة الإمداد العالمية، وهو ما قد يتيح لنا الفرصة للبحث عن موطئ قدم في عالم ما بعد كورونا أحسن من موقعنا الحالي في قاع السلسلة الصناعية كدولة مصدرة فقط للمادة الخام. علينا أن نغتنم فرصة تشكل عالم ما بعد كورونا، و نسعى بكل جهد إلى تغيير معادلة مستقبلنا مرهون بأسعار المادة الخام بالتقدم إلى الأمام نحو الصناعة التحويلية التي تخلق قيمة مضافة أكبر، وفرص عمل أكثر، وإيرادات أفضل. خاصة أننا نملك احتياطي معتبر وجدول زمني واضح لبداية استغلال الغاز، الذي لن يشكل مصدرا جيدا للطاقة الرخيصة فحسب بل وعاملا حاسما في تصنيع الصلب، إذ يعد الغاز الطبيعي المادة الأساسية بدل فحم الكوك في حالة تصنيع الصلب عن طريق الإختزال المباشر، وهو ما سيقلل من مخاطر الاعتماد على الخارج لتوفير المادة الأسياسية عامل الاختزال، كما أن مصانع الاختزال المباشر أقل تلويثا للبيئة، وتقنيا أبسط، وهو ما يجعلها أكثر ملائمة لدولة مثل بلادنا، وقد نختصر صناعة الصلب أوليا على مرحلة بين المرحلتين بإنتاج مكورات خام الحديد التي عليها طلب عربي وعالمي عالي جدا. علينا الاستفادة من التعاون العربي - العربي، والعربي - الصيني لجلب التكنولوجيا وإدخال رأس المال اللازمين لتطوير وتوطين صناعة الصلب والحديد في بلادنا.
د.يربان الحسين الخراشي