مساحة إعلانية

سعر الحديد تركيز: 62%

 

104,09 $    

مساحة إعلانية

Résultat de recherche d'images pour "‫مساحة اعلانية‬‎"

تابعونا على الفيس

فيديو

عُقَدُ في تسيير شركة “سنيم”

جمعة, 14/08/2020 - 20:26

من الخليق بمن يتناول موضوعا ما أن يكون ملما به ولا بأس أن يطمئن الكاتب قارئه بأن تحقيقاته واستنتاجاته مؤسسة وليست مجرد إنشاء من وحي الخيال.. لذلك أمهد لمعالجتي هذه ببيان مصادر معلوماتي عن الشركة الوطنية للصناعة والمناجم.. وليعذرني القارئ إن ذكرت بصورة عابرة بعض مواقف سيرتي الذاتية التي أورد لأني أعتقد أنها تتقاطع مع الموضوع وتخدمه.

كنت، منذ زهاء ثلاثة عقود، أحضر للحصول على الإجازة في القانون وبالنظر لنشأتي في مدينة انواذيبو، المفتون أهلها بالشركة الوطنية للصناعة والمناجم، اخترت أن تتعلق رسالة تخرجي بنظامها القانوني الخاص ولا أنكر أنه كانت لي في ذلك مآرب أخرى فقد كنت خائفا أترقب مقعدي بين الخريجين العاطلين وأفكر في منفذ ألج منه للحياة العملية.. ومراعاة لصعوبة التنقل إلى إدارة اسنيم الواقعة في “النقطة المركزية” على بعد أكثر من عشرة كيلومترات من مقر إقامتي بالمدينة، طلبت من الشركة أن تقبلني متدربا حتى أتمكن من استخدام وسائل نقلها وأجد فرصة للحصول على بعض المراجع والمعلومات.. كان ذلك سنة 1990 التي أعلنت فيها انطلاقة الشبكة العنكبوتية الدولية ولم تكن المعلومات قد تدفقت عبر الكوابل والذبذبات الالكترونية وإنما كانت آنذاك لا تزال مستقرة بمصادرها في صدور رجال يجب الدنو لاستقائها منهم أو في مصادر ورقية يتعين الوصول إلى خزائنها لمطالعتها واستنساخها.. استجاب مدير المصادر البشرية آنذاك، السيد انجاي عمر، رحمه الله، لطلبي وخصص لي مكتبا ظلت أداوم فيه على مدى شهر.. ولضبط التاريخ أذكر أنه في أحد أيام دوامي ضج عمال الشركة البسطاء، الذين كنت أرافقهم في الحافلة الصباحية، بخبر احتلال العراق للكويت دون أن يدركوا آثار ذلك على شركة سنيم التي يعملون بها.. كنت أعلم حينها أن الشركة الكويتية للتجارة والمقاولات والاستثمارات الخارجية تملك نسبة 9,63% من رأسمال سنيم وأن الصندوق العراقي للتنمية الخارجية IFED يملك 6,17% من رأسمال الشركة.. ويبدو أن المساهم الكويتي اندمج لاحقا في الشركة الكويتية للاستثمار KIC.. وتلك مسألة أخرى.

تمكنت من إنجاز البحث وحصلت على الإجازة خلال السنة الجامعية الموالية فانخرطت في التهيئة لممارسة عمل حر وبعد ثلاث سنوات من التدريب افتتحت مكتب محاماة في مدينة انواذيبو حيث مقر شركة اسنيم التي لم تلجأ لخدماتي قط ولاحظت أنها، فيما يتعلق بالاستشارات، تتجنب التعامل مع المحامين الموريتانيين وتفضل اللجوء لأجانب يجهل بعضهم كل شيء عنها.. حتى اسمها السهل عندنا يجد بعض الخبراء الأجانب صعوبة في نطقه إذ أذكر أوروبيا كان يفصل حروف اسمها فينطق كل حرف على حدة: (إس. إن. إي. إم) بدلا من ربطها بقول سنيم التي كنا نعدها من الأعيان ونحسب جهلها منقصة.. ودفعت “عقدة الخواجة” إدارة سنيم إلى إيثار الأوروبيين الذين يتعاملون معها ودفع تعويضات مجزية لهم فقد أخبرني خبير موريتاني كان يعمل بالشركة أنه تفاجأ عندما تبين أن رب عمله يصرف مبلغا يساوي راتبه لمدة شهر كامل لأحد الخبراء الأجانب عن ساعة العمل الواحدة خاصة وأن الأوروبي كان يعمل بإرشادات الخبير الوطني.. وما قد يغيب عن إدارة شركتنا أن الجنسية والانتماء الأوروبي لا يمنح صاحبه قدرات خارقة وأن خبيرا لا يعرف اسم شركة لا يفترض أن يكون ملما بظروفها ومحيطها بما يؤهله لمساعدتها بالاستشارة على الأقل.

شخصيا تبينت مع الزمن أن عدم الارتباط بالشركة الوطنية للصناعة والمناجم لم يكن سلبيا لأنه أتاح لي أن أتعهد في ملفات ضدها كما تعهدت لصالح موردين أجانب كانوا يوفرون لها سلعا وخدمات مختلفة جرت لهم نزاعات محلية.. وكانت الملفات المذكورة، قبل حسمها، فرصة مكنتني من إضافة خبرة عملية لمعرفتي النظرية بظروف عمل الشركة التي أزعم أني أصبحت ملما بواقعها وتحدياتها كي لا أقول خبيرا بممارساتها.

وبعد قراءة المآخذ المتعلقة بتسيير شركة سنيم الواردة في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية ومطالعة رد مديرها السابق ارتأيت أن أساهم في إنارة الرأي العام الوطني بإبداء تصور محايد قد يسهم في ترشيد تسيير منشأة، لا مراء في أنها، تعد من الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني ويجب على الجميع أن يحافظ عليها.. وأتناول عُقد سنيم من خلال محورين أخلص بعدهما لتوصيات:

أولا: عقدة الإنتاج: (حاجز اثني عشر مليون طن)؛

ثانيا: عقدة الإفصاح: (اللسان والشفافية والفساد).

ثالثا: التوصيات.

أولا: عقدة الإنتاج: (حاجز اثني عشر مليون طن سنويا)

– 1 –

منذ سنة 1989 حددت شركة سنيم هدفها الإنتاجي السنوي باثني عشر مليون طن سنويا، الهدف الذي اقتربت MIFERMA من إنتاجه منذ بداية استغلالها لمنجم كدية الجل سنة 1963 وحتى تأميمها سنة 1974 حيث أنتجت خلال هذه الفترة واحدا وتسعين مليون طن. أما SNIM فرغم تدشينها لمشاريع كبرى وإنفاقها مبالغ طائلة في اقتناء الآليات والتقنيات الجديدة وشراء رخص المخرجات التكنولوجية وزيادة أعداد ومزايا العمال، لا يزال إنتاجها يراوح مكانه ويكبر في عيون مسؤولي الشركة عندما يبلغ اثني عشر مليون طن الهدف الذي أذكر أنه تحقق سنة 1989 قبل أن تخفق الشركة في تحقيقه في السنوات اللاحقة ولم تبلغه إلا خلال سنوات من العقد الحالي أما تجاوزه فلا زال حلما صعب المنال.. هذا الهدف جعلني أستحضر عقدة سيزيف الذي تروي الأسطورة اليونانية أنه عوقب بإلزامه بدحرجة صخرة على سفح جبل كان ما إن يبلغ بها القمة حتى تنحط إلى الأسفل فيعود لمكابدة رفعها من جديد في مسعى عبثي يتقاطع مع أسطورة (عر وتاره) المتداولة عندنا.

ويتعين التنبيه إلى أنه قبل بداية الألفية لم تكن السوق العالمية – التي تعد الآن مرجعا يسترشد البائعون والمشترون بمؤشراته، في تحديد أثمان المواد الأولية – قد تشكلت مما تطلب من الشركة أن تتفاوض قبل إبرام عقود بيع رضائية مع مشترين كانت تبيع لهم الطن بسعر يتراوح بين 10 و16 دولارا.

ونظرا لانخفاض أسعار الخامات وزيادة تكاليف التشغيل بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وقطع الغيار فقد كانت الشركة، خلال فترات معينة، تجاهد من أجل البقاء وأعتقد أنه لولا صرامة تسيير المهندس محمد السالك ولد هيين وسعيه إلى النأي بها عن الحسابات السياسية لما صمدت في وجه الأزمات التي تخللت أيام إدارته لها.. مع أنه يؤخذ عليه قبوله إنجاز الشركة لمشروع كهربة 13 مدينة الخارج عن غرضها الذي ينبغي أن تتقيد به كما سأبين.

وإبان العقود الأخيرة وبعد أن بدأت شبكة المعلومات تمد أذرعها حول الكرة الأرضية وتربط أطراف العالم فيما بينها تأتى إنشاء الأسواق الدولية للمواد الأولية وأصبحت أسعارها المرجعية تتحدد بآلية يتحكم فيها العرض والطلب وأطلقت مواقع إلكترونية تنشر مؤشرات الأسعار على صفحات يتم تحديثها باستمرار.

وارتفع الطلب على المواد الأولية بفعل النهضة الاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية ولذلك أخذت أسعار خامات الحديد بالصعود.

– 2 –

وعلى الرغم من ثبات كمية الانتاج فقد تضاعفت مداخيل شركة سنيم أضعافا مضاعفة بفعل زيادة أسعار خامات الحديد التي ارتفع ثمن طنها من أربعة عشر دولارا سنة 1987 إلى أن وصل سعره القياسي، في فبراير 2011 حين بلغ مائة وسبعة وثمانين دولارا للطن ($187).

ولأن ديباجة قانون السوق العالمي تقضي بتذبذب الأسعار، لم تدم الطفرة وبدأ التراجع إلى أن وصل سعر الطن إلى ما دون الأربعين دولارا، خلال سنة 2015.. ونظرا لعدم ادخار “الحديدولار” الفائض عن حاجيات الشركة اشتدت الأزمة وبدأت بوادر عجز جعل الموريتانيين يتوجسون خيفة من إفلاس منشأة تعد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني. ويبدو أن مسؤولي شركة سنيم يقدرون التكلفة الإجمالية لطن خامات الحديد بستة وثلاثين دولارا ($36) كما ورد في مقال: “هكذا كانت فترة إدارتي لشركة سنيم” لكاتبه السيد محمد عبد الله ولد أوداعه، الذي تولى تسيير الشركة من سنة 2011 وحتى سنة 2016 ونشر مقاله في مستهل أغشت الجاري (2020) تعقيبا على تقرير لجنة التحقيق البرلمانية المعلن في نهاية يوليو المنصرم ولذلك فإن انخفاض سعر الطن واقترابه من حاجز التكلفة ينذر بالخطر كما أن تجاوزه لضعف التكلفة الاجمالية «اثنين وسبعين دولارا ($72)»، يعني استواء الشركة ووقوفها على أرضية صلبة يتعين عليها أن تنتهزها لتأمين استمرار النشاط في الظروف الصعبة التي تتدنى فيها الأسعار.. ومن دواعي الأمل أنه بينما يتواصل انخفاض سعر المحروقات ارتفع سعر طن الحديد خلال الأسابيع الأخيرة إلى مائة وستة عشر دولارا ($116) وربما يتصاعد عن ذلك وبالتالي ينبغي انتهاز الفرصة لاتخاذ إجراءات رشيدة بهدف تأمين مستقبل الشركة لأن تذبذب أسعار المواد الأولية تجعل المراهنة عليها مغامرة غير محسوبة العواقب.

– 3 –

وباستقصاء سبب العجز الذي هدد الشركة الوطنية للصناعة والمناجم سنة 2016 ونال من ثقتها التجارية، لدرجة جعلت المنشأة الفرنسية لتأمين التجارة الخارجية COFACE تعتذر عن تأمين الديون المتعلقة بذمتها (سنيم)، نجد أن في مقدمة أسبابه عدم مراعاة السلطات السياسية الموريتانية للضوابط القانونية، واعتبار سنيم ملكية للدولة ومصلحة يتصرف فيها الرئيس دون قيد، مما كرس انتهاكا للقواعد التي تحكم شركة ينص نظامها الأساسي على أن تعمل وفق نظام شركات الخواص.. وللتاريخ فإن المساهمين الأجانب اشترطوا على الدولة الموريتانية، للدخول في رأسمال سنيم، عدم تدخل السلطات في تسييرها إلا كمساهم عادي ولهذا تحددت طبيعتها القانونية كشركة مساهمة Société Anonyme وتم استثناؤها من القواعد المتعلقة بالمؤسسات العمومية والشركات ذات رأس المال العام.. ويبدو أن رئيس الجمهورية السابق السيد محمد ولد عبد العزيز لم يستحضر هموم المساهمين الأجانب ولم يعتبر التزام الدولة لهم فاستبد بتعيين مدير سنيم دون اشتراط معايير ودون التشاور مع باقي الشركاء وأن مجلس إدارة الشركة دأب على تمرير قرار تعيينه دون مداولات وأنه (الرئيس) دأب على فتح خط ساخن بينه وبين مدير سنيم جعله يتدخل في بعض ملفاتها لدرجة أنه احتكر تسيير البعض.. ولم تكن إدارة سنيم تمانع، ربما لأن المدير يعتبرها منحة يمكن أن يعتصرها منه الواهب في أي وقت.. وتنفيذا للأوامر قامت شركة سنيم بإنفاق مبالغ معتبرة في الخرسانة المسلحة لتشييد عمارة من خمسة عشر طابقا في قلب العاصمة انواكشوط وقدمت سلفة معتبرة لشركة النجاح، لمساعدتها في تشييد مطار “أم التونسي” الذي تعثر بسبب منحه بناء على مقايضة مرتجلة ومولت (الشركة) طرقا وإنشاءات مدنية في شوارع العاصمة وفي مقر رئاسة الجمهورية وحتى في ضيعة خصوصية تقع على بعد سبعين كيلومترا من المجال الحضري للعاصمة – بحسب تقرير لجنة التحقيق البرلمانية!! ومن الوارد أن نلاحظ أن هذه التصرفات تشكل مخالفات صريحة للمادة: 439 من المدونة التجارية (القانون رقم 05 – 2000) التي تنص على وجوب الحصول على الترخيص المسبق لمجلس الإدارة قبل إبرام الشركة خفية الاسم لأي اتفاق مع أحد إدارييها أو مديديريها العامين أو مع شركة يملكها أو يديرها أو يشترك فيها وهو ما ينطبق على الدولة الموريتانية وعلى الشركات المتفرعة.. والهدف من ذلك المقتضى هو منع تسخير الشركة لخدمة أحد مساهميها مما يشكل غبنا للآخرين.. والظاهر أن مجلس الإدارة بدلا من تحمل مسؤولياته والعمل وفق ما تقتضيه مصلحة الشركة ونظامها الأساسي أصبح مجرد منفذ للأوامر ومجيز للقرارات التي تأمر السلطات بتمريرها..

وقد برر السيد محمد عبد الله أوداعه، في مقاله المذكور أعلاه، تدخل الشركة في المشاريع التنموية الوطنية بكون هيئات مماثلة تتدخل في بلدان شبيهة وضرب لذلك مثلا بتدخل الجامعة المتعددة التقنيات في إنجاز مشاريع تنموية بالمملكة المغربية وأعتقد أن السيد المدير قاس مع وجود الفارق فالجامعة المذكورة وجهة تمويلها هيئات تابعة للدولة المغربية ومملوكة لها بينما شركة سنيم شركة مساهمة تضم شركاء خصوصيين لا يجوز التصرف في ممتلكاتهم فيما يخرج عن الغرض المحدد في النظام الأساسي للشركة.

وهكذا حال إنفاق موارد سنيم في مشاريع جانبية تتعلق بأحد المساهمين دون تفرغها لغرضها ودون ادخار الفائض عن مصاريف تشغيلها وكانت ضريبة ذلك أن فرائص مساهميها ومسيريها أصبحت ترتعد كلما تراجعت أسعار الحديد.

ثانيا/ عقدة الإفصاح: (اللسان والشفافية والفساد)

– 1 –

لاحظت منذ أيام الدراسة الابتدائية بمدرسة كانصادو، التابعة لشركة سنيم، أن اللغة المعتمدة لدى الشركة الوطنية للصناعة والمناجم هي اللغة الفرنسية بالأساس ومن المفارقات أنني علمت إبان فترة تدريبي بالشركة، الذي سبق شيوع الوسائل المعلوماتية، أنها لم تكن تتوفر إلا على آلة كاتبة عربية واحدة!! وكنت أنكر في نفسي وقوف بعض العمال القارئين للعربية عند الملصقات الجدارية في انتظار من يترجم لهم مذكرات العمل Notes de Services المحررة بلغة موليير مع أن ترجمتها للعربية غير عصية ولكن إدارة الشركة كانت وربما لا تزال تجد في الحروف اللاتينية بركة يبدو أنها لم تنعكس إيجابا على الإنتاج.

وإذا كان استخدام سنيم للغة الفرنسية لم يكن مستغربا في سنواتها الأولى، لأنها ورثت لغة الشركة الفرنسية التي سبقتها، فإن من الغريب أن نلاحظ أنه بعد أن أصبح مواليد تأميم شركة MIFERMA يخططون للتقاعد لا تزال لغة موليير اللغة الغالبة على معاملات سنيم التي تعد شركة عربية مائة بالمائة حيث كانت الدولة الموريتانية تملك نسبة 70,89 % من أسهمها فيما تعود الأسهم الباقية لشركاء عرب وتعود نسبة 0,19 % لخصوصيين موريتانيين (وربما طرأ تغير في النسب لم تتح لي فرصة مطالعته).

وجدير بالملاحظة أنه بينما تعض الشركة على اللغة الفرنسية بالنواجذ تتراجع هذه اللغة في تصنيفات الألسن على الصعيد العالمي وتتقدم عليها اللغة العربية (راجع مقال: الجامعة العربية الفصحى: قمة الأمل – المتاح على الإنترنت).

وكما تقدم في الفقرات السابقة لم يقتصر “استلاب” الشركة على اللسان فقد ارتضى الشركاء، عند إنشائها بما فيهم الدولة الموريتانية، أن يحكمها قانون أجنبي حيث نص نظامها الأساسي على أنها خاضعة للقانون الفرنسي لسنة 1867 كما تقدم، وهو ما يمكن تفهمه بكونه تم قبل سن القانون التجاري الموريتاني وأكثر من ذلك حرص المساهمون على أن لا تخضع سنيم لما يمكن أن تتملص منه من مقتضيات القانون الموريتاني ولم تمانع السلطات في ذلك وتنفيذا لالتزامات الإنشاء وبناء عليها تم استثناؤها من الخضوع للأمر القانوني 09 – 90 الصادر بتاريخ 4 إبريل 1990 المنظم لقانون المؤسسات العمومية والشركات ذات رأس المال العمومي والمحدد لعلاقاتها بالدولة وهو استثناء مبرر، في نظري والغرض منه هو إيجاد صيغ مبسطة وفعالة لتسيير ورقابة الشركة وعدم ربطها بهيئات القطاع العام التي يجمع المتعاملون على ما يكتنفها من روتين وبطء.

وأعتقد أن ضعف الرقابة على عمليات سنيم ناتج عن إسناد رقابتها لمكاتب أجنبية يتعذر عليها متابعة ما يجري مما يحملها على الاكتفاء بالتدقيق البعدي للوثائق وربما تعين التفكير في سن رقابة وقائية تسند لمكاتب خصوصية وطنية لا تؤخر إجراءات الشركة وتضع حدا للتجاوزات التي تكتنف معاملاتها.

ومهما يكن فإن من غير الوارد أن تظل مراسلات سنيم ولوائحها الداخلية وعقودها وبياناتها وتقاريرها تصاغ باللغة الفرنسية.. وأن يرغم أطرها، الذين تكون بعضهم باللغة العربية أو بلغات أخرى، على كتابة تقارير بلغة لا يجيدونها.. فاللغة في النهاية مجرد أداة للتخاطب وليس لها انعكاس على الانتاجية ولكل شخص الحق في استخدام لغته.

– 2 –

وإذا كانت سنيم اتخذت لغة الفرنسيين كأداة تخاطب رئيسية فإنها لم تجارهم في الأخذ بأسباب الشفافية، فقد أوردت مجلة Jeune Afrique، في مقال نشرته في مارس 2016، تحت عنوان: «في موريتانيا، سنيم في عين العاصفة» “En Mauritanie, la SNIM dans la tourmente” بأن خبيرا أوروبيا بحث عن النظام الأساسي للشركة الوطنية للصناعة والمناجم ولم يتمكن من الحصول عليه فعلق قائلا «إن اسنيم قد انكفأت على نفسها» “la SNIM s’est repliée sur elle même”.

وأزكي ما أورده الرجل الذي يبدو أنه مطلع على ماضي الشركة التي انغلقت على نفسها بالفعل خلال السنوات الأخيرة وأحكمت إغلاق النوافذ وتراجع اهتمامها الثقافي فبعد أن كانت، إبان القرن المنصرم، ذات اهتمام إعلامي تجسد في إنشاء مصلحة خاصة بمجلس الإدارة والصحافة وكانت تصدر أسبوعية “سنيم أنباء” ومطبوعات أخرى باللغة العربية وبالفرنسية SNIM Info وتنشر مقالات يحررها مسؤولو الشركة ويطالعها العمال وغيرهم.. وبعد أن كانت تقارير ومحاضر مجلس الإدارة وقرارات المساهمين تنشر في حوليات باللغتين “الرسميتين” وتعتبر مرجعا يُفصل بالأرقام الوضعية المالية للشركة ويُضمن ملاحظات مفوضي حساباتها.. بعد ذلك الانفتاح أطفأت إدارة الشركة الأنوار ولزمت الصمت وأصبحت تتفاوض همسا وتحكم إغلاق الدواليب على العقود والتفاهمات.. وأهملت الحرف بعد أن أصبح ضمن أطرها وعمالها المهرة مهندسون وفنيون راسخو الأقدام في الثقافة العربية وفيهم من يدبج النثر ولا نعدم فيهم من ينتج قريضا يستعذبه جل مواطني بلد المليون شاعر!!

فجأة تقوقعت الشركة الوطنية للصناعة والمناجم وقررت أن تسبح عكس التيار رغم تمكنها من التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال في عهد يتيسر فيه التصدير الفوري للحروف والأصوات والصور التي تجوب العالم بأسره بضغطة زر وفيما بين غمضة عين وانتباهتها.

ومن الأدلة على تقوقع الشركة عدم تحيين محتويات موقعها الإلكتروني الذي زرته في أغشت الجاري (2020) فوجدت أن آخر ما نشر في صفحته العربية يعود لتسعة أشهر خلت (أكتوبر 2019) ويتعلق بتعيين المدير الحالي السيد المختار أجاي، أما الصفحة الفرنسية فيعود آخر تحديث لها لخمسة أشهر خلت (فبراير 2020).

وأعتقد أن من المفيد للشركة وحتى الضروري لها أن تهتم بالإعلام وتتقبل الشفافية وأن تدرك إدارتها أن غياب الأفراد عن شبكة المعلومات الدولية لم يعد مقبولا فكيف بالشركات من حجم معين؟ يتعين على إدارة الشركة أن تستحضر أن أغلب من يتعامل معها من الخارج لا بد أن يطالع ما في جعبة محركات البحث الإلكترونية التي تعكس وللأسف صورة سيئة تنبئ عن عدم اهتمام بالشفافية مما يشجع انتشار الفساد.

– 3 –

لا مراء في أن غياب الشفافية يخلق بيئة ملائمة لانتشار الفساد ولذلك أضحت معاملات الشركة تبرم في الظلام مما أتاح للرشوة أن تتسلل وتصبح وسيلة ينتهجها البعض للإثراء على حساب الشركة الوطنية للصناعة والمناجم وبغض النظر عما يشاع من أن الشركة دأبت خلال السنوات الأخيرة، وبناء على توصية ما، على صرف عمولات من سعر خامات الحديد لوسطاء لا يقدمون خدمة في المقابل، فمن المؤكد أنها باعت، دون اتباع مساطر شفافة، كميات معتبرة من الخردة (نفايات الحديد) لم يدفع ثمنها في حسابات الشركة وإنما خصص لتوفير مبالغ تخولها الاشتراك مع رجال أعمال موريتانيين ورجل أعمال من بلاد الشام (سوري) اختارتهم إدارة الشركة بسرية وبناء على تفاهمات خاصة وأسباب غير موضوعية وتعاملت معهم دون إعلان وفي ظروف غامضة وتمخض التفاهم السري عن إنشاء شركة Chami-Steel التي أقامت مستودعا تؤمل أن يكون مصنعا للصلب في منطقة نائية تتوسط الطريق البري الرابط بين انواكشوط وانواذيبو.. وبغض النظر عن توفر المتطلبات التقنية للمصنع ومكننته وتمويل نشاطه فلا خلاف في أنه لا أمل في فرن لصهر الصلب غير متصل بمصدر كاف للطاقة التي يجب أن نستحضر أن نقصها تسبب في توقف إنتاج الشركة العربية للحديد والصلب من قضبان التسليح.. ولذلك لا تزال رياح “اعظيم المرار: التسمية الأصلية للشامي” تذرو المستودع في انتظار أن يتم التنازل عنه لمن يستغله في مشروع قابل للتحقق.. وحتى إن توفرت الطاقة فلا بد من جلب المادة الأولية وتصريف الإنتاج مما يرفع تكلفة المنتج ويضعف قدرته على المنافسة.. وتلك مشاكل أخرى.

ويلاحظ المطلعون استشراء الفساد في عدة مصالح من الشركة فمنذ عقود ألفت بعض الشركات الأجنبية الموردة للسلع قلوب بعض عمال سنيم، لا في قطاع المشتريات فحسب وإنما في مختلف مصالح الانتاج، وأصبحت تدفع لهم عمولات متفاوتة تمثل نسبا مائوية من فواتيرها مما شجع المصالح المستهلكة على التعبير عن طلبها لمواد معينة، لا بدافع الحاجة للقطع المطلوبة وإنما رغبة في العمولة ولهذا تكدس لدى الشركة في ازويرات وانواذيبو مخزون من المواد وقطع الغيار غير المستعملة تقدر قيمته بمليارات الأواقي.. وفي هذا الإطار أدى تراكم النترات، الذي أنبأنا انفجار بيروت عن خطره، إلى تكوين تلال حول كلب الغين اضطرت الشركة إلى تشييد سكة حديدية لإبعادها خمسة عشر كيلومترا بعد أن رفض متعاملون أوروبيون واعون مباشرة الإنشاءات بالقرب منها.

وفيما يتعلق بأسعار شراء حاجيات سنيم طالعت أن الشركة تعاقدت، إبان إدارة السيد عثمان كان، مع مكتب استشارات أوروبي يدعى CVA على دراسة حول تقويم مشتريات الشركة فخلص المكتب إلى استنتاجات من بينها أن سنيم تدفع أسعارا تفوق الأسعار التي يشتري بها الآخرون بنسبة 45%.. وكان من الجدير بالشركة أن تنشر الدراسة وأن لا تتستر على التجاوزات.. ويبدو أن الفساد كالجهل يفضح من ستره.

ثالثا: التوصيات

وبعد الملاحظات أعلاه ومن أجل استغلال يحقق نتائج إيجابية ويحترم التزامات الدولة في عقد إنشاء الشركة الوطنية للصناعة والمناجم ومن أجل مصلحتها، أخلص للتوصيات التالية:

1. اختيار مدير وأعضاء مجلس إدارة أكفاء يقدرون مسؤولياتهم في احترام نظم الشركة ويضعون إصلاحها والنهوض بها نصب أعينهم،

2. انتهاج سياسة شفافة تتيح للشركة التعامل مع موردين جدد وتمنح للموردين القدماء فرصة للمنافسة بشرط وضع حد لممارسات الفساد الضارة بالشركة،

3. استدعاء جمعية عامة غير عادية لمراجعة النظام الأساسي للشركة ووضع مسطرة رقابة أكثر نجاعة توفر ضمانات مطمئنة للمساهمين وتتيح الفرصة لكفاءات وطنية يتعين اختيارها بموضوعية لعدم نجاعة مكاتب الرقابة الدولية التي تكتفي بتدقيق الوثائق ولا تحصل في الغالب على المعلومات الميدانية،

4. كف الدولة الموريتانية عن تسخير الشركة لخدمة التنمية واكتفاؤها بالعائدات الجبائية والخدمات الاجتماعية المضمنة في الاتفاقية الخاصة المبرمة بين الدولة وبين شركة سنيم بتاريخ 28 أغشت 1979 المصادق عليها بموجب الأمر القانوني رقم 232-79 وهي اتفاقية قديمة تسوغ مراجعتها على هامش اجتماع المساهمين. وفيما عدا المبالغ المبررة يتعين على الدولة الموريتانية أن تقنع وتنتظر التوزيع السنوي للأرباح للتصرف في حصتها منها، تصرفا لن يضر الشركة ولن يعترض عليه أحد لأنه من قبيل تصرف المالك في ملكه.

المحامي/ محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم – [email protected]