المرابط ولد محمد لخديم
في خطوة غير مسبوقة نشرت محكمة الحسابات الأسبوع الماضي على موقعها الإلكتروني تقاريرها السنوية العامة للفترة الممتدة من 2007 وحتى 2017م أي تسيير عشر سنين أظهرت فسادا ماليا في عدد من الإدارات والمؤسسات التابعة للدولة.. صدم الجميع..
وجاء في التقارير أن نشرها يأتي استجابة المعايير الشفافية وتطبيقاً لأحكام المادة 67 من القانون النظامي رقم 2018-032 الصادر بتاريخ 20 يوليو 2018، وتشير هذه المادة إلى أن التقرير بعد تسليمه لرئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية يتم نشره.
لم يصدق المواطن البسيط هذا الفساد الممنهج في ظل حكومة شعارها القضاء على الفساد والمفسدين!! ،
لك ان تتصور عمليات تحايل تم بموجبها سحب مبالغة معتبرة من حسابات هذه المؤسسات، بالإضافة للتهرب الضريبي..
ومن المعلوم أن محكمة الحسابات لم يسبق أن نشرت أي تقرير من تقاريرها السنوية العامة، خلال العشرية الماضية فقد كانت تكتفي بتسليمها للرئيس.
الا يعلم هؤلاء أن سرقة المال العام تتعلق بحقوق السكان وتعدادهم أي أن موريتانيا البالغ عدد سكانها أربعة ملايين لكل فرد حق في هذا المبلغ الذي سرق ولكي يتنجى من هذا الجرم لا بد أن يبعثوا في صعيد واحد طوابير ويطلب السماح من كل شخص في يوم الحساب الأكبر فهل نتصور ذالك اليوم؟
لنضع هذا الكلام جانبا ولنناقش المسألة بكل حرية ..
ان هذه المحكمة التي أصبح الرأي العام يتطلع الى نتائجها وأسماء أبطالها الذين يظهرون في كل يوم تباعا ماهي إلا صورة مصغرة من المحكمة الكبرى في اليوم الآخر..
تقول العلوم الحديثة أن كلما نلفظ من كلام يحفظ في سجل كامل. وتفسير ذالك أن أحدنا عندما يحرك لسانه ليتكلم, يحرك بالتالي موجات من الهواء تسمى (آكوستيك), كالتي توجد في الماء الساكن عندما نرمي فيه بقطعة من الحجر...
ولقد ثبت بالبرهان القطعي أن هذه الموجات تبقى كما هي في «الأثير»إلى الأبد, بعد حدوثها للمرة الأولى, ومن الممكن سماعها مرة أخرى,مع أنها لا تزال تتحرك في الفضاء منذ زمن بعيد. ولقد سلم العلماء بإمكان إيجاد آلة لالتقاط أصوات الزمن الغابر قياسا على التقاط المذياع الأصوات التي تذيعها محطات الإرسال.
غير أن المسالة الكبرى التي واجهوها في هذا الصدد, ليست في التقاط الأصوات القديمة, وإنما التمييز بين الأصوات الهائلة الكثيرة حثي يتمكنوا من سماع كل صوت على حدة...
وقد تغلبوا على هذا الإشكال في الإذاعة فملايين المحطات في العالم تذيع برامج كثيرة ليل نهار, وتمر موجات هذه البرامج في الفضاء, بسرعة 186000 ميل في الثانية.
وكان من المعقول جدا عندما نفتح المذياع أن نسمع خليطا من الأصوات لا نفهم منه شيئا, ولكن هذا لا يحدث, لأن جميع محطات الإذاعة ترسل برامجها كما هو معروف على موجات طويلة.. و قصيرة..ومتوسطة...وهكذا
وبهذا يثبت عندنا قطعا أن كل ما ينطق به الإنسان يسجل وهو محاسب عليه.
إن مناقشتنا لجانب المسألة إنما يؤكد وجود ملائكة يسجلون كل ما ننطق به من كلام مصداقا لقوله تعالى
{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.سورة ق الآية: 18.
وليس القول وحده هو الذي يسجل فعملنا أيضا يسجل على صفحات الكون .
فالعلم الحديث يؤكد أن جميع أعمالنا- سواء با شرناها في الضوء, أم في الظلام, فرادى أم مع الناس – كل هذه الأعمال موجودة في الفضاء في حالة الصور, ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور, حتى نعرف كل ما جاء به إنسان من أعمال الخير و الشر طيلة حياته, فقد أثبتت البحوث العلمية أن كل شيء -حدث في الظلام أو في النور, جامدا كان أو متحركا- تصدر عنه «حرارة»بصفة دائمة, في كل مكان, وفي كل حال, وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما, كالأصوات التي تكون عكسا كاملا للموجات التي يحركها اللسان. وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج من أي كائن, وبالتالي تعطي هذه الآلة صورة فوتوغرافية كاملة للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية كما هو مشاهد الآن في التلفزيون والتقنيات الرقمية عالية الجودة ويمكن استرجاع هذه الصور مرة أخرى...
ومشكلة هذه الآلات كسابقتها, أنها لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث. أما الموجات القديمة فلا تستطيع هذه الآلات تصويرها, لضعفها وتستعمل في هذه الآلة
( أشعة افرارد) التي تصور في الظلام والضوء على حد السواء.
ومعنى هذا أن حياة كل منا تصور على مستوى عالمي, كما تسجل آلات التصوير الأوتوماتيكية جميع تحركات الممثلين السينمائيين..أو عن طريق أجهزة التصوير التي ركبتها دول لتجسس على أشخاص في أدق تفاصيل حياتهم وقد أخبرني أحد الخبراء في هذا المجال أن أمريكا وبريطانيا ينفردان بالتصنت على جميع مكالمات العالم.. وفي آخر إحصاء لخطوط الهواتف بلغت خمسة مليارات خط هاتف في جميع أنحاء العالم وهذا الرقم قابل لزيادة باستمرار.. والغريب أن هذه الدول هي التي كانت تتخذ من حرية الإنسانوالعالم الحر عنوانا براقا تتستر ورائه, وتناسى هؤلاء أو غاب عنهم أن هذا الستار شفاف وقد فضحته أجهزتهم يقول الشاعر:
ثوب الرياء يشف عن ما تحته فإذا التحفت به فانك عاري
ومن هذا نصل إلى أن جميع تحركاتنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا منعها أو الهروب منها, سوا أكنا في النور أو في الظلام. فحياتنا كالقصة التي تصور في الاستديو, ثم نشاهدها على الشاشة بعد حقب طويلة من الزمن, وعلى بعد كبير من مكان التسجيل, ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث, وهكذا شأن كل ما يقترفه الإنسان, وشأن الأحداث التي يعيشها فان فيلما كاملا لتلك الأحداث نعيشه واقعا منذ الولادة وحتى الموت ويمكن عرضه في أي وقت...
وتأسيسا على ما أسلفنا فان أجهزة الكون تقوم بتسجيل لكل أعمال الإنسان, فكل ما يدور في أذهاننا يحفظ إلى الأبد, وكل ما ننطق به من كلمات يسجل بدقة فائقة, فنحن نعيش أمام كاميرات تشتغل دائما, ولا تفرق بين الليل والنهار مثل موبايلك الذي يضبط كل ما تقوم به بدقة تامة علمت ذالك أم جهلته.
وعليه فان العلوم لم تترك لنا أي خيار ولم يبقى أمامنا إلا أن نسلم بأن قضية كل منا سوف تقدم أمام محكمة إلهية وبأن هذه المحكمة هي التي قامت بإعداد هذا النظام العظيم لتحضير الشهادات التي لا يمكن تزويرها.
ونرتل بكل خوف وإجلال قوله تعالى:
﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾الكهف الآية:49
والعلاقة الوحيدة الصحيحة بين الناس ورب الناس هي إسلام الوجه له, وإحسان الاستمداد منه, والاعتماد عليه, واعتبار الدنيا مهادا للآخرة وجهادا لكسبها.
والإسلام حسب الحديث الصحيح هو:شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا " و الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ". والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يــراك" رواه البخاري.
عندما نعيد قراءة هذا الحديث النبوي الشريف مرة أخري بتمعن , وتفكر في معانيه لا بد أن يستوقفنا سؤال جبريل عليه السلام عن الإحسان .. وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ثلاثة لا يكلهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر"، مسلم.
فالعدوان على الأعراض فاحشة فإذا أصابت هذه الفاحشة امرأة الجار كانت أعظم، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الزاني بحليلة جاره لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه، ويقول له أدخل النار مع الداخلين" بن أبي الدنيا.
إن من أبغض الناس إلى الله، امرءا يظهر بين الخلق بالصلاح والخشوع فإذا أمكنته رذيلة وهو منفرد لم يتورع عن الإيغال فيها.
عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال تهامة، بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا". قال ثوبان يا رسول الله، صفهم لنا جلهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هم فإخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". ابن ماجه.
والعقوبات المعجلة أو المؤجلة سياط لابد منها لقمع الغرائز الشرسة في الحياة الإنسانية والإجرام الفردي والدولي لا تعني في رده الخطب والنصائح، بل لابد من حسم الشر بالشر ولابد من التخويف بالأذى القريب أو البعيد لفطام الناس عن شتى الأهواء الخبيثة إن الإسلام يريد أن تستقيم أجهزتك النفسية أولا، فإذا توفرت لها صلاحيتها المنشودة بصدق اليقين وسلامة الوجهة، فكل عمل تتعرض له في الحياة يتحول من تلقاء نفسه إلى طاعة. ولن تصل إلى هذا إلا إذا كنت دائما تحاسب نفسك بنفسك.
فما من عمل هام إلا وله حساب يضبط دخله وخرجه، وربحه وخسارته. إلا حياة الإنسان فهي وحدها التي تسير على نحو مبهم لا يُدرى فيه ارتفاع أو انخفاض.
هل يفكر أكثرنا أو أقلنا، في إمساك دفتر يسجل فيه ما يفعل وما يترك من حسن أو سوء؟ ويعرف منه بين الحين والحين رصيده من الخير والشر؟ وحظوظه من الربح والخسارة؟!
لو أننا نخبط في الدنيا خبط عشواء، ونتصرف على ما يحلو لنا، دون معقب أو حسيب، لجاز علا تفريط وحمق أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله، وأن نذهل عن الماضي وما ضم من تجارب وأن نقتحم المستقبل متهيبين خطأ أو خطيئة!!
فكيف ولله حفظه يدونون مثقال الذرة، ويعدون لنا قوائم بحساب طويل...
أما يجب أن نستكشف نحن هذا الإحصاء الذي يخصنا وحدنا؟!
أما ينبغي أن نكون على بصيرة بمقدار ما نفعل من خطأ وصواب؟
الحق أن هذا الانطلاق في أعماق الحياة دون اكتراث بما كان ويكون، أو الاكتفاء بنظرة خاطفة لبعض الأعمال البارزة أو الأعراض المخوفة، الحق أن ذلك نذير شؤم.
وقد عده القرآن الكريم من الأوصاف البهيمية التي يعرف بها لمنافقون الذين لا كياسة لديهم ولا يقين﴿أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرةأو مرتين﴾ .سورة التوبة آية 126
وعلماء التربية في الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة المرء لنفسه تمشيا مع طبيعة الإسلام، وإنفاذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم" الترمذي.
وقوله: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" المنذري.
ولتفسير أكثر لمسألة: " المحاسبة" نجد أنه اليوم لم تعد هناك حجة لمن كانوا يوما يعملون في الخفاء, ولا يلتفتون للتحذيرات الشرعية. وذلك عندما أصبح المسجل والكاميرا جزء من حياتنا اليومية. أي أن أقوالنا وأفعالنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا التهرب منها سواء كانت حسنات أو سيئات فهي مثل فاتورة الهاتف التي يعطيك البريد بعد تهربك من الدفع فان سجل كامل لتلك المكالمات يعرض أمامك ولا يسعك أن تتهرب منه وما يقال عن الكلام يصدق على أعمالك سواء في الظلام أم في النور..
إن المجتمع بكل أطيافه يبذل جهودا ضخمة للتنفير من الجرائم, عن طريق االترغيب والتخويف بالحساب والعقاب والجنة والنار..ولكن النسبة المرتفعة للجرائم المتزايدة يوما بعد يوم تدل على أن مايقوله أولائك الفقهاء والحكماء ليس رادعا,حتى يمنع المخالفين من القيام بجرائهم.. فما كثر ماقيل في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة أن تقديم الرشوة وقبولها وان استغلال الوسائل الحكومية لصالح الأغراض الفردية خيانة وكبيرة لا تغتفر ولكن الوقائع غير ذالك فأنت تشاهد الرشوة تمضي في طريقها على قدم وساق ..والمشروعات الكبرى في تحقيق أهدافها لأن النسبة الكبرى من الميزانية المقررة تأخذ طريقها الي جيوب المسؤليين القائمين بأمر هذه المشروعات,بدلا من انفاقها في مكانها الصحيح. وهكذا اختفت المعايير والقيم من الحياة رغم كل الجهود التي بذلت من جانب المصلحين والفقهاء والزعماء, وباءت كل الوسائل التى استخدموها بالفشل الذريع..
لذا كان لزاما عليهم أن يأخذوا ما أسلفنا من الحقائق كمنطلق لأقوالهم وحججهم..
وهذا ما سيكون وازعا في المجتمع يمنع الناس من ارتكاب الجرائم,لأن الرشاوي ,والمحسوبيات, وخدمات المحامين البارعين, وشهود الزور كل هذه العوامل تكفي لحماية المجرم من أية شرطة أومحكمة إنسانية, والمجرم لايرهب عقابا, لو استطاع أن يفلت من أيدي القانون.
إن الشرع الإلهي يستوفي كل هذه الأمور, فعقيدة الآخرة التي يحملها الشرع الالهي, هي خير وازع من ارتكاب الجرائم, وهي تكفي لتبقي إحساسا بالجريمة واللوم يعتمل في فرارة ضمير الإنسان, لو أدلى بشهادة كاذبة أمام القاضي .
والوازع الذي يمنع من ارتكاب الجرائم ليس هو الدين في حد ذاته, فانه لايقدم لنا تشريعا فحسب, وإنما يخبرنا أن صاحب هذا التشريع يشاهد كل أعمالنا من خير وشر كما تقدم آنفا..فنياتنا وأقوالنا وحركاتنا بأكملها تسجل بواسطة أجهزة هذا المشروع, ولسوف نقف بعد الممات أمامه,ولن نستطيع أن نفرض ستارا على أدق أعمالنا.
ولو أننا استطعنا الهروب من عقاب محكمة الدنيا, فلن نتمكن بالتأكيد من أن نفلت من عقاب صاحب التشريع السماوي.
فأنت أمام عدسات تعمل ليلا ونهارا بدون كلل فحاسب نفسك عزيزي القارئ قبل فوات الأوان وعند محاسبة المرء نفسه سيتعرف إليها جيدا ومن عرف نفسه عرف ربه، ويهذب أخلاقه وسلوكه، حيث يرتقي إحساسه بالآخرين، وتصبح تصرفاته أكثر نعومة وأناقة
وشفافية، وبذلك يطبع بطابع المدنية التي هي روح يسري في كيان الفرد، فيعطيه طابعا خاصا يلمسه الناس في كل شؤونه: في طريقة كلامه، وعباراته المنتقاة، وفي طريقة استماعه وتناوله لفرصة التحدث، وفي كيفية قيادته لسيارته، وفي كيفية تنبيهه للمخطئ، وفي طريقة حصوله على حقه، وحله مشكلاته، بالطرق السليمة إذ أن من أهم سمات الإنسان المتمدن أن يبحث باستمرار عن طرق مشروعة وغير عنيفة لتجاوز التعارض بين مصالحه ومصالح الآخرين.
ليس سرا أننا في موريتانيا مازلنا نعيش حياة " لفريگ" الذي تسعه "أطناب الخيمة" في وجداننا وان اختلفت الخيام شكليا من الشعر والوبر الى الاسمنت.. ونسينا أو تناسينا أننا في الوقت نفسه لبنة من مكونات القرية الكونية العالمية وأن ما يحدث في تلك الأمم المتحضرة أو المتوحشة يؤثر فينا شئنا أم أبينا..وأن هذه الهواتف الذكية التى لا يخلوا منها بيتا هي ديدانه...
ولقد تجسدت هذه الصور في مجتمعنا البدوي الذي يهرب من التفكير سواء بانغماسه في الملذات ، أو تكييفه لهذه العادات الوافدة مع عقله الجمعي.
قد تكون بعض الفتاوي حول مال حسان " أصحاب السلطة" آنذاك الذين يسمونهم مستغرقى الذمم، وبعد حسان مال النصارى والذي يسمونه" مال هوش " التي مازالت على حالها قد ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في هذا خاصة في ظل غياب البحث وآلياته.. وندرة التأليف والنشر وفقه الواقع ولعل هذا ما أوجد تأسيسا دينيا طريقا بجواز الأخذ من المال العام...
ومن هنا لانستغرب أن أرضية مثل هذه أنتجت بعض الأحكام الخطيرة المبنية على اجتهادات تقبل أو ترفض في سياقات تاريخية معينة؟
إن هذه الفتاوى فقدت كل أساس كانت تقف عليه، فلم تعد السلطة في أيدي أمراء "حسان" ولم يعد مفهوم "الزوايا" كما كان آنذاك..
بدليل أن الطائفتان إنما هما جزء من المجتمع الموريتاني المتعدد الأعراق الذي يعيش تحت ظل الجمهورية الإسلامية الموريتانية، كسلطة مركزية، منذ 28 نوفمبر 1960 م تحقق الملكية العامة في كل ما كان من مرافق الجماعة، وعن الضروريات للحياة العامة، وتتولى عن الجماعة شؤونها ووسائلها
وإن كانت هذه الاجتهادات قد أدت دورا تاريخيا معينا، فقد تعداها مد العلم والثقافة، ومن الخطأ أن نظن أن أخبار السلف هدف ثقافي يقصد لذاته كمتعة عقلية، دون أن يكون وراء ذلك مشروع إنهاض، وخطة توعية من أجل صنع الحاضر، والتأثير في الأجيال القادمة.
حسب هؤلاء السلف أنهم كانوا أمثلة مسهمة في صنع عصرهم، وتوجيه معاصريهم، من خلال اهتمامهم بالوقائع والمستجدات، مما جعلهم يسعون إلى تكييف العلوم والمعارف مع مجتمعهم وحياة أناسهم، فسايروا بذلك مختلف الأحداث، مستجيبين للبيئة وخصوصياتها فردوا على أهم الإشكالات التي وردت عليهم فكانوا كلما استفتوا عن النوازل افتوا وأفهموا وبينوا..
فهل نتعقل ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب في محكمة الحسابات الأولى ومحكمة الحسابت الأخيرة؟
الهوامش:
*محمد الغزالي:ركائز الإيمان بيت العقل والنقل, دار لقلم دمشق, ط,4 ,1420ها 1999 *محمد الغزالي : جدد حياتك, دار القلم: دمشق , الطبعة 15، 2003 م
* وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 م.
*عبد الكريم بكار: تجديد الوعي, دار القلم, الطبعة الأولى, 1421 ها ـ 2000 م
* دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند,تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة العلوم والتكنلوجيا والطب موريتانيا,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.