محمد هو شاب موريتاني في ريعان شبابه. كان لمحمد بيت وعمل و أسرة و ينتظر أن يكون أبا قبل أن يقرر الذهاب إلى "أگليب أندور" بحثا عن الذهب. قبل ذهاب محمد سمع عن قصص أناس كانوا فقراء و أصبحوا أغنياء بعد فترة وجيزة. من حدثوا محمد لم يحدثوه عن أن هنالك كثر فقدوا حياتهم و آخرين صاروا فقراء بعد أن كانوا ميسوري حال. بقي محمد يفكر ليالي و أيام عددا ولكنه بعدما رآى على شاشة التلفزيون زيارة لرئيس الجمهورية وتعهده بتوفير كل اللوازم للمنقبين قرر أن يقطع الشك باليقين وباع منزله و أرسل زوجته إلى بيت أهلها وذهب إلى أمه مودعا وغادر إلى "أگليب أندور" بحثا عن موت كان ينتظره هناك. قبل أن يغادر محمد والدته ذرفت بعض الدموع و طلبت منه أن لا يذهب ولكنه حاول طمأنتها ووعدها أن يعود إليها عما قريب وقد صار غنيا. وصل محمد إلى "أگليب أندور" وشرع مع مجموعة أخرى في الحفر بحثا عن الذهب. لم تكن الأوضاع أبدا كما كان يتصورها محمد فقد كانت الأجواء صعبة و الظروف المعيشية ضنكة و الناس كمن يعيش في قرون حجرية. كل شيء كان غال الثمن. حتى الإستحمام كان أشبه بالمستحيل نظرا لغلاء سعر الماء ولكن لم يكن لدى محمد أي خيار سوى الصبر و المواصلة بعد أن باع منزله وذهب بكل ما يملك بحثا عن الذهب فإن هو ذهب بدون الذهب فذاك كان يعني أن يعيش في جحيم أشد من الذي يعيش. في إحدى الليالي قام محمد بعمل ما يستطيع من أجل أن يتصل بأمه و زوجته وتمكن من ذلك بصعوبة نظرا لإنعدام الشبكة و ضعفها في مكان تواجده و الأماكن المحاذية. سالت دموع أم محمد وهي تستمع إلى صوت ابنها الذكر الوحيد و ماكان منه إلى أن طمأنها مجددا ووعدها بالعودة قريبا. علم محمد من أمه أن زوجه على وشك أن تضع مولودا فاتصل مباشرة بزوجته وبكى بكاء امتزجت فيه الفرحة بقدوم مولود جديد وكونه سيكون أبا و الحزن باستحالة حضوره للحظة التي ستضع فيها زوجته حملها. كان محمد لايزال يحتفظ ببعض النقود من بيع منزله فأرسلها إلى زوجته وعاد للعمل وكان يبحث عن تحقيق حلمه بالحصول على الذهب سريعا ليعود من حيث أتى. في اليوم الذي قدر فيه لمحمد أن يقضي نحبه استيقظ باكرا كعادته هو ورفاقه وبدؤوا التنقيب عن الذهب أو الموت. كان يوما شديد الحرارة وكانوا منذ أيام يحفرون بئرا ويتعمقون في الحفر بعد أن كانت المعطيات الأولية تشير إلى وجود ذهب هنالك فسارعوا هم بالحفر وفي الساعة الثالثة ظهرا من مساء الأربعاء من يوم ماضي إنهار عليهم البئر. سارع المتواجدون في المنطقة لتقديم المساعدة ونجحوا في انتشال إثنين وهم على قيد الحياة ولكن محمد و صديق له وجدا ميتين. لقد كانا ينقبان عن الموت وقد أدركهما الموت من حيث لايعلمان" وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت". كانت أم محمد متكئة وفي يدها سبحة تستغفر ربها وتدعوا أن يعود إليها محمد عندما دخلت عليها جماعة لتخبرها أن أبنها محمد وافاه الأجل المحتوم بعد أن انهار عليه بئر. لم تتمالك تلك المسنة نفسها وانهارت من هول الصدمة بعد أن جاءها خبر وفاة ابنها الوحيد الذي كانت تنتظر اللقاء معه بفارق الصبر. زوجة محمد هي الأخرى كادت تفقد حياتها وهي تتلقى خبر وفاة زوجها الذي كانت تنتظر أن يعود إليها بالمال الوفير ليكملا حياتهما ويربيا ابنهما. أرواح كثيرة راحت و أخرى ستقضي نحبها قريبا ولا حياة لمن تنادي. حكومة غافلة وشعب لايتعظ و التنقيب عن الموت صار يستهوي الكثيرين ممن يذهبون بحثا عن الذهب ليعودوا لذويهم جثثا وأحيانا حتى يستحيل استخراج الجثة. الدولة عاجزة حتى عن توفير مروحية للإسعاف بعض أن أرسلت الناس إلى هنالك لتلهيهم عن النهب الذي تقوم به ويبقى القلق بسماع فاجعة جديدة في "أگليب أندور" وباقي مناطق التنقيب منتظرا ...