المعادلة الأمنية السليمة والمعادلة السياسية الصحيحة هي تلك المعادلة القادرة على الجمع بين ركيزتين متلازمتين لا انفكاك بينهما، حيث أن الذهاب إلى الاعتماد على واحدة منهما منفردة ضرب من العبث والاختلال؛ الذي لا يستقيم فيه الحال ولن يكتب له النجاح، ولذلك لا بد من استخدام أعلى درجات المهارة والحكمة في امتلاك القدرة على التوفيق بينهما على صعيد الموازنة المدروسة بعناية في كل عملية إدارية. هيبة الدولة ضرورة، واحترام القانون والنظام العام حاجة قصوى، لا تستقيم الحياة بفقدانها، هذا أمر ليس محلاً للخلاف بين أصحاب العقول لدى البشر منذ فجر الإنسانية، وإلى جانب ذلك وقبله تعد الكرامة الآدمية ضرورة إنسانية، وما وجدت الدولة والسلطة إلّا لحفظ كرامة البشر وإعلاء شأنها، وامتلاك القدرة على الدفاع عنها وصيانتها من جميع أنواع العدوان وكل أشكال الإضرار والعبث. ما ينبغي أن يكون مفهوماً أن احترام كرامة الإنسان وصيانة آدميته والدفاع عن حقوقه وحرياته لا يمكن أن يتحقق إلّا من خلال دولة وسلطة مطاعة، قادرة على اتخاذ القرارات وانفاذ الأوامر وتطبيق القانون بطريقة حاسمة تخلو من أدنى درجات المساومة أو المجاملة أو المحاباة أو التردد، بمعنى آخر أكثر وضوحاً أنه لا طريق لحفظ كرامة المواطنين وصيانة حقوقهم في ظلال الفوضى والتمرد على القانون وكسر هيبة الدولة. ما يحتاج إلى حوار ونقاش مجتمعي عام هو مفهوم هيبة الدولة ومضمونها، وما هي العوامل التي تؤدي إلى وجودها وحفظها، وأسباب استمرارها، والحيلولة دون ضعفها أو انهيارها، بعد الاتفاق على ارتباطها الوثيق بكرامة المواطن ومصلحة الوطن العليا، وربما تكون هذه المسألة هي الأكثر أهمية والأكثر جدلاً والأكثر حاجة إلى التركيز والإنضاج، في ظل سيادة انطباع خاطئ لدى بعضهم بأن الهيبة تتحقق بالظلم والقوة الغاشمة والعصا الغليظة.
الركيزة الأولى لهيبة الدولة تتمثل بترسيخ قيم العدالة، لدى المسؤول أولاً ولدى المواطن ثانياً، بحيث يشعر المواطنون بالمساواة أمام القانون، وأمام القضاء وأمام الدولة، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الزي او المكانة الإجتماعية والسياسية ، فلا مجال للمساومة على هذه القيمة، مما يجعل العامة تنساق طوعا للقانون، وتخضع للنظام بحب وثقة وطمأنينة، لأن أي خلل يطرأ على هذه القيمة يشكل عاملاً من عوامل ضعف هيبة الدولة، وعاملاً من عوامل التمرد على القانون والنظام.
الركيزة الثانية لهيبة الدولة تتمثل بصلاح صاحب المسؤولية وبعده عن الفساد بجميع أشكاله، لأن أهم خلل يطيح بمنظومة العدالة في الدولة أن يتسرب الفساد إلى أصحاب مواقع المسؤولية، مما يؤثر حتماً على قيم العدالة، ويخل بمعيار تطبيق القوانين والأنظمة، والفساد يعد مِعول الهدم الذي ينحت بمصداقية الدولة وسلطتها وهيبتها، والفساد له أشكال كثيرة ومجالات عديدة، ومنافذ خفية، تستحق أعلى درجات اليقظة والرقابة والحذر والمواجهة والتعقب المستمر، وكلما علا موقع المسؤولية كلما زادت شروط النزاهة والاستقامة والصلاح، ولا مجال لفرض هيبة الدولة تحت وصاية الفاسدين.
الركيزة الثالثة تتمثل بالانتماء الوطني، الذي يجب أن يتوافر بدرجة عميقة لدى كل مواطن بلا استثناء، ولكن يجب أن يتوافر بدرجة أكثر عمقاً ووضوحاً لدى المسؤول، لأن من فقد الانتماء الوطني الصحيح سوف يكون فريسة لمصالحه الشخصية والفئوية، ويصبح الوطن لديه في مرتبة متأخرة، وهذا أكثر ما يطعن بهيبة الدولة وقوتها وقدرتها على تطبيق القانون وحفظ النظام، وتصبح المسؤولية لديه طريقاً للسطو على المال العام وإستغلال حاجة المواطن مثلما يحصل هذه الأيام في مدينة أزويرات من حفنة من المرتزقة محمين تحت عباءة الدولة وقوة القانون متخصصين في الإستهزاء بالمواطن وأحتقاره مستخدمين كل وسائل الإستفزاز وأحدث أساليب التهديد والأمثلة على هذا كثيرة ،مما سينجم عنه التفريط بالمصلحة العامة، والتفريط بمصالح المواطنين، وسيؤدي حتماً إن أستمر إلى إضعاف هيبة الدولة وإضعاف هيبة القانون، حيث أن الفاسد يعد ثغرة في جدار الدولة الذي تنفذ منه الأمراض والآفات. أما المسألة الأخيرة فتتمثل بإرساء قيم التعاون وبناء الثقة بين المواطن والمسؤول، من أجل إيجاد منظومة القيم المشتركة التي تحفظ المعادلة الصحيحة القائمة على اجتماع هيبة الدولة وكرامة المواطن معاً، في التشريع والقرار والتنفيذ والتقويم، لأن كرامة المواطن خط أحمر، وهيبة الدولة خط أحمر كذلك، لا مجال لتجاوزهما تحت كل الظروف العادية او الاستثنائية، ولا مجال للمحافظة عليهما معا الا من خلال المشاركة الفاعلة بين الشعب والسلطة التي تمثله
بقلم أمم ولد بوزومه