كثيرا ما لعبت الدول الغربية (الاستعمارية) على وتيرة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات من أجل دس أنفها في الشؤون الداخلية للدول (الصغيرة) والتدخل في كل شاردة وواردة تحدث فيها وقد تكون تلك (الشاردة) مفتعلة بفعل فاعل يهمه الحفاظ على مصالحه ولو كانت على حساب الأمن والاستقرار في تلك الدول .
وهكذا ظل الغرب يلعب على وتيرة الحساسيات إن كانت دينية أو عرقية والتي هي في أغلبها من صنعه حيث دأب على تقسيم الدول المستعمرة بحيث يزرع في كل دولة بؤرة توتر تظل تنهشها وتعيق أي مشروع تنموي أو نهضوي فيها حتى تظل تلك الدول ضعيفة وتابعة للمستعمر، بيد أن تلك الدول نسيت أن الاضطرابات وسوء الأحوال الاقتصادية سينتج عنها لا محالة بيئة طاردة للعنصر البشري مما ينتج عنه هجرة عكسية من الدول الفقيرة نحو الدول الغنية ومن هنا انقلب السحر على الساحر.
لقد أدت موجات الهجرة ( الشرعية والغير شرعية ) من الدول النامية نحو الدول الغنية إلى تكوين كانتونات في ضواحي المدن الأوربية خاصة الكبيرة منها وتلك الكانتونات هي نتيجة فعلية لسياسات العزل الغير مدروسة لتلك الدول اتجاه بعض مواطنيها الذين هم من الجيل الثاني أو الثالث لمهاجرين قادمين من مستعمراتها الإفريقية ، في حين ويا للمفارقة أن أبنا المهاجرين الأوروبيين من الكتلة الشرقية يتمتعون بنفس الامتيازات التي يتمتع بها المواطن الأصلي (حتى أن أحد الرؤساء الفرنسيين المعاصرين هو من الجيل الثالث لمهاجرين أوروبيين شرقيين).
إن الدارس للتاريخ الأوروبي الحديث منذ قيام الثورة الفرنسية وإلغاء الدولة الثيوقراطية (الدينية) وهيمنة الكنيسة ، يجد أن العداء الغربي لكل ما هو عقدي أو ديني بدأ يترسخ بظهور أشكال جديدة من الحرية تمثلت بانحلال أخلاقي تفسخي (المثلية الجنسية) وانحلال في حرية التعبير يجرح عين القارئ قبل عقله ، ورغم هامش الحرية الكبير الذي يدعي الغرب الدفاع عنه فإنه من غير المسموح به التعرض ولو ببنت شفة للمحرقة اليهودية أو الديانة اليهودية أو دولة إسرائيل ؟ !
وعلى الرغم من أن أبناء المستعمرات قد لعبوا دورا هاما إن لم نقل حاسما في الحربين العالميتين الأولى والثانية وما حدث بعدهما من إعادة إعمار ، حيث قدموا تضحيات جسيمة في سبيل حصول أوروبا على حريتها من الاستعمار النازي وإلباسها الوجه الحضاري والمعماري الذي تظهر عليه حاليا ، فإن المكافأة كانت بالتفضل على أبناء هؤلاء المناضلين في عزلهم في ضواحي أقل ما يقال عنها أنها مهملة !.
إن الازدواجية في المعايير والكيل بمكيالين لا يخدم اندماج المهاجر وانصهاره في المجتمع الجديد ولا أدل على ذلك من ما حدث في فرنسا على يد مواطنين فرنسيين ولدوا وتربوا في فرنسا لكن صفة المهاجر ظلت تطاردهم لا لشيء سوى أنهم من أصول عربية أو افريقية، وهنا تكمن المعضلة .
في حين أن التمييز السلبي اتجاه بعض المواطنين قد يكون قنبلة موقوتة سيما إذا كان هذا التمييز اتجاه شريحة لا بأس بها من المواطنين من أبناء الوطن وخاصة إذا كان على أساس ديني أو عرقي.
إن فرنسا بدعمها لحروب آمريكا الدينية ( من المنظور الأمريكي) نسيت أنها إنما توقظ المارد الديني (الراديكالي) وتخرجه من قمقمه وتجعل له أرضية يتكئ عليها وما حادثة شارلي ابدو إلا القشة التي قصمت ظهر البعير ، فهل تستطيع فرنسا مراقبة خمسة ملايين مسلم فرنسي يعيشون على أراضيها ؟