أجرى موقع "أكيد" الإخباري الموريتاني مقابلة مع د.يربان الحسين المتخصص في الهندسة الجيولوجية وذائع الصيت من خلال مقالاته عن القطاع المنجمي.
يقدم الدكتور نفسه كالتالي:
اسمي يربان الحسين الخراشي من مواليد مدينة امبود سنة 1981 حاصل على متريز من كلية العلوم وتقنيات 2003 والأول على مستوى الدفعة حاصل على دكتوراه في الهندسة الجيولوجية من جامعة جيلين في الصين حاليا أعمل لدى إحدى شركات الحكومة الصينية في مجال إدارة المشاريع الهندسية الكبيرة في دولة الكويت الشقيقة.
وهذا نص المقابلة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكيد: ما هي وضعية قطاع المعادن في موريتانيا حاليا؟
د. يربان الخراشي: للإجابة على هذا السؤال نحيلكم إلى مقتطفات من تصريحات الوزير الأول الموريتاني،و وزير النفط والطاقة والمعادن…
خلال المؤتمر الموريتاني الرابع حول قطاعي المعادن والنفط المنعقد نهاية 2016 علق محمد ولد عبد الفتاح وزير النفط والطاقة والمعادن قائلا “أن موريتانيا تحتوي على 900 مؤشر معدني،وينشط فيها أكثر من 60 فاعلا اقتصاديا على أساس أكثر من 100 رخصة للبحث، كما ذكر أن موريتانيا أنتجت خلال عام 2015 حوالي 13 مليون طن من الحديد الخام، و 45.000 طن من النحاس،و7 أطنان من الذهب، و 594طنا من الكوارتز.”
و في مطلع السنة الجارية صرح الوزير الأول خلال خطابه أمام البرلمان “أن حصة الدولة ارتفعت لأول مرة من 10 % إلى 20% في مشاريع استغلال منجم الذهب في تيجريت والكوارتز في التميمشات والتربة السوداء في لقويشيش،كما ذكر أنه قد تم منح 40 رخصة تنقيب منها 24 سنة 2017، وتجديد 46 رخصة تنقيب منها 09 سنة 2017، إضافة إلى منح 5 رخص استغلال لتنويع الإنتاج منها رخصتان سنة 2017. وبالمقابل، ألغيت حوالي 100 طلب للحصول على رخص تنقيب بعدما تبين أن أصحابها لا يستوفون الشروط اللازمة، وأنه جاري إعداد استراتيجية معدنية جديدة.”
ونحن نقدر للوزيرين هذه الشفافية والوضوح، ورغم كل ما ذكر أعلاه وحسب التقرير السنوي للبنك المركزي الموريتاني لسنة 2016م فإن إجمالي الناتج الداخلي الخام للنشاطات المعدنية في بلادنا لسنة 2016م بلغ 154.7 مليار أوقية، وهو ما يشكل نسبة 9.3 % من إجمالي الناتج الداخلي الخام تمثل حصة الحديد منها 5.5%،وحصة الذهب والنحاس 3.8% .
وهنا نذكر أن قطاع تنمية المواشي المهمل يساهم بنسبة 18.7 % في تكوين إجمالي الناتج الداخلي الخام حسب نفس التقريرهذا من جهة، و من جهة أخرى وحسب تقرير المكتب الوطني للإحصاء حول حالة التوظيف والقطاع غير الرسمي في موريتانيا لسنة 2017 الصادر أغسطس 2017 فإن عدد العاملين في قطاع تنمية المواشي بلغ 86799 عاملا بينما يبلغ عدد العاملين في قطاع الأنشطة الاستخراجية9332 عامل، وهو ما يشكل نسبة 1.27% من إجمالي العاملين في بلادنا،و إذا استثنينا عمال شركة اسنيم الوطنية البالغ عددهم 7263 عامل حسب تقرير الشركة لسنة 2016 فإن إجمالي العاملين في القطاع المذكور يصبح 2069 ،وهو مايشكل نسبة 0.281 % من إجمالي العاملين في البلاد البالغ عددهم 734277 عامل.
إذن الآثار الاقتصادية لقطاع المعادن تمثل في مساهمته في تكوين إجمالي الناتج الداخلي الخام بنسبة 9.3 % و يساهم بنسبة 1.27 % في توفير فرص عمل للعمالة الوطنية. هذه المساهمة المتدنية اقتصاديا واجتماعيا للقطاع هي وضعيته التي تهم المواطن الموريتاني، أما الحديث عن المؤشرات و منح الرخص فهو حديث يذكرني بمقولة صينية مشهورة تقول (雷声大雨小)أي : رعد ذو صوت مدوٍّ لكن يصحبه مطر خفيف . فقطاع المعاد ن رغم كل ما ذكر الوزيران لا تصل مساهمته إلى نصف مساهمة قطاع تربية المواشي الذي لا يحتاج إلى جلب أرس مال ولا تكنولوجيا ولا حتى تعليم.
أكيد: شهدت سنيم أزمة خانقة في 2015 كادت تعصف بها بسبب انهيار سعر الحديد في العالم، ماذا ترون بخصوص مستقبل أسعار الحديد في الأسواق العالمية، وهل سنيم محصنة الآن من تكرار نفس المشكلة؟
د. يربان الخراشي: أولا أنا اعتقد أن انهيار أسعار خامات الحديد عالميا سنة 2014 الذي كان متوقعا ليس هو السبب الرئيسي في أزمة اسنيم التي ذكرتكم.
معضلة اسنيم تكمن في ديونها الخارجية، و التعيينات السياسية، والمشاريع الضخمة في الوقت الخطأ، فانهيار الأسعار الذي كان متوقعا سنة 2014، والذي لم تتخذ إدارة الشركة فيما يبدو إجراءات حاسمة لمواجهته في الوقت المناسب لم يكن إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، البعير الذي لم يعد قادرا على الوقوف بسبب الديون المتراكمة التي قيل أنها صرفت على مشاريع في غير وقتها تستهدف زيادة الإنتاج، وتحسين القدرة التنافسية، حيث تضاعفت ديون الشركة في فترة وجيزة، وقفزت من حوالي 138 مليون دولار سنة 2009 إلى حوالي 217 مليون دولار سنة 2010 ثم حوالي 640 مليون دولار سنة 2013 .
اليوم وبعد مرور 5 سنوات على اعلان الشركة عن برنامجها “النهوض” واستثمارها 1.6 مليار دولار حسب موقعها.
لا تزال المشاريع المنفذة تحتاج هي الأخرى إلى برامج جديدة للنهوض بها، على سبيل المثال لا للحصر : الميناء المعدني الجديد الذي تم تدشينه في 25 يونيو 2013 احتاج إلى مشروع جديد ينهض به، ألا وهو مشروع تجريف الميناء حتى يكون قادرا على استقبال السفن الكبيرة، وكذلك مشروع “القلب 2” الذي كان من المفترض أن يرفع من قدرة سنيم الإنتاجية بحوالي 30%،. يحتاج هو الآخر إلى مشروع ينهض به و أرقام سنة 2017 المنصرمة تؤكد تراجعا كبيرا في الإنتاج والمبيعات لدى الشركة.
أما بخصوص مستقبل أسعار خامات الحديد فمن الصعب التوقع بمستقبلها خاصة أن أجواء الحرب التجارية الأمريكية- الصينية تخيم على حركة الأسواق عالميا،وعلى العموم ينقسم المحللون بشأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه أسعار خلال السنوات القادمة
فهناك فريق يعتقد أن الأسعار ستبقى في حدود معدل سنوي يصل إلى حوالي 75 دولارا للطن وهو المعدل المقبول لكل من الصين أكبر مستورد، والأربعة الكبار المصدرين( فالي، ريو تينتو، بي.اتش.بي و فورتيسكميتالز) أما الفريق الثاني فيعتقد أن نمو الاقتصاد الهندي المضطرد، سيدفعها إلى دخول نادي (الأربعة الكبار+ الصين )؛ مما قد يفتح منافسة شرسة جديدة، وبالتالي يرفع الأسعار إلى مستويات قياسية أو على الأقل يكسر القاعدة القائمة الآن بين الأربعة الكبار والصين.
أما بخصوص تحصين اسنيم أمام تكرار المشكلة فمن المعروف أن المخاطر لا يمكن التخلص منها أو القضاء عليها لكن يمكن التحكم فيها والتقليل من تأثيراتها،وفي اعتقادي أكبر خطر ستواجهه اسنيم في المستقبل القريب يكمن في مدى استعدادها لدخول عصر التعدين الجديد ألا وهو عصر المناجم الذكية.
أكيد: هل صحيح أن الدولة أصبحت في غنى عن عائدات سنيم مما يعني دخول تلك العائدات في مشاريع تقوي الشركة وتطورها؟
د. يربان الخراشي: لا اعتقد أن دولة ما زالت تبوب في مزانيتها لبند الهبات والصدقات والتبرعات ستستغني عن عائدات شركة توفر مداخيل تساهم بقدر معتبر في ميزانيتها السنوية، وعلى العموم أرقام مساهمة اسنيم في ميزانية الدولة تفند هذا الادعاء.
أكيد: حاليا هناك إضراب يشل عملية الإنتاج بسبب علاقة الشركة مع العمال. ماذا عن سياسة التشغيل في سنيم، والعلاقة مع العمال؟
د. يربان الخراشي: أنا اعرف جيدا ماذا تعني الإضرابات للعمال، و أعرف أيضا ماذا تعني اليد العاملة المتخصصة للشركة، ولكني أعرف أكثر ماذا تعني الشركة لموريتانيا. الإضرابات تشل عملية الإنتاج، وحجم الإنتاج يشل الشركة، و الشركة تشل البلد.
الشركة التي نعتقد أن بقاءها وتطويرها يعتبر مطلبا استراتيجيا وأمنيا أكثر مما هو مطلب اقتصادي واجتماعي، ولكم أن تتخيلوا كيف كانت ستكون نتيجة حرب الأشقاء المفروضة بواقع أجندة إقليمية ودولية ما لم يكن هناك قطار اسنيم والخامات عالية التركيز التي كان ـ ومازال ـ ينقلها!!!
ولذلك أنا اعتقد أنه لا يجب أن تنظر الشركة، والدولة من ورائها إلى العمال كتكلفة على الشركة وحسب بل كرأس مال تستثمر فيه وبه حتى تعود رافعة الاقتصاد الوطني كما كانت، وحتى أيضا يشعر هذا العامل بقيمة تفانيه في العمل الذي أنتج مساهمة في ميزان المدفوعات بقيمة 6.966 مليار دولار خلال الفترة مابين 2009 -2016 وذلك حسب تقارير البنك المركزي الموريتاني.
أما عن سياسية التشغيل في اسنيم فهذا سؤال يطرح على مدير الموارد البشرية لست أنا من يملك حق الإجابة عليه.
أكيد: ماذا عن شفافية شركة كينروس تازيازت وتقاريرها، ففي الولايات المتحدة يواجهون مشكلة بخصوص تزوير تقارير أعدوها؟
د. يربان الخراشي: لا املك المعلومات الكافية للإجابة على هذا السؤال.
أكيد: هل هناك إمكانية لتأميم الشركات المعدنية الأجنبية؟
د. يربان الخراشي: أعتقد أن ظاهرة التأميم التي اجتاحت العالم منتصف القرن التاسع عشر مدعومة بالفكر الشيوعي في ظل نفوذ القوى الاستعمارية وسيطرتها على مقدرات وخيرات الكثير من شعوب العالم قد ولت إلى غير رجعة، وحاليا هناك جدل عالمي حول التأميم ومشروعيته في القانون الدولي. صحيح أن بلادنا تملك مساحة شاسعة تزخر بثروات وموارد طبيعية هائلة ومتنوعة من أبرزها الثروة المعدنية لكن بلادنا تفتقر إلى المستوى التكنولوجي، و رأس المال اللازمين لاستخراج واستغلال هذه الثروة، ونحن مرغمون على التعاون مع الشركات الدولية، لكن هذا التعاون لايجب أن يكون على حسابنا على الأقل. لابد من إتاحة فرص عمل أكثر للموريتانيين في هذه الشركات،وتوطين الخبرات والمهارات اللازمة للعمل في هذا القطاع. وفي اعتقادي قبل الحديث عن تأميم الشركات الأجنبية علينا أن نتحدث عن الشفافية الوطنية اتجاه هذا القطاع.
أكيد: هل يمكن الاعتماد على الغاز والنفط الموريتاني كمواد طاقة للتصنيع في موريتانيا في المستقبل؟
د. يربان الخراشي: إن اكتشاف الغاز بكميات هائلة في بلادنا والحديث عن استغلاله والإستفادة منه خاصة في توفير الطاقة اللازمة لتطوير القطاع الصناعي أمر جيد ويتطلع إليه الجميع، لكنني أعتقد أن الرهان على القطاع الصناعي في خلق فرص عمل أكثر، والرفع من أداء الاقتصاد الوطني رهان خاسر لا محالة. فقطاع الصناعة الآن يخلق فرص عمل كثيرة لكن للإنسان الآلي، ومصانع القرن 21 أصبحت رقمية ذكية ذاتية الإدارة.
أعتقد أن فكرة تبني سياسات اقتصادية معلبة خارجا مآلها الفشل عادة، وحتى الدول التي حباها الله بثروات طبيعة ضخمة لم تشهد تطورا ونمو يتماشى وحجم هذه الثروات مما يجعلنا نفكر ونطرح السؤال التالي: ماهو النموذج الاقتصادي المطلوب تطبيقه في بلادنا؟
شخصيا أعتقد أنه يجب علينا أن نستفيد من تجربة الدول الغربية، والآسيوية التي كان ثمن تطوير الصناعة فيها باهظا، وعلى حساب بيئتهم، وصحة مواطنيهم قد يكون من الأفضل لنا تطوير قطاع صناعة الخدمات الذي يخلق فرص عمل أكثر، وغير ملوث للبيئة ونستفيد أكثر من موقع بلادنا الجغرافي الاستراتيجي عن طريق تحويلها إلى منطقة تخزين وعبور وإعادة تصدير المنتجات إلى القارات الثلاثة هذا بالإضافة إلى إحياء دور بلادنا الثقافي والحضاري في شبه المنطقة، الدور الذي إن تم تطويره وتسويقه بشكل مستمر قد يشكل أهم مصدرلا ينضب لدعم الاقتصاد الوطني.
وكخلاصة ، يجب على الحكومة أن تتبنى استراتيجية واضحة، وشفافة تضمن الرفع من مردودية القطاع،ومضاعفة فرص العمل فيه ليصبح القطاع أحد ركائز الاقتصادالوطني،ولن يتم ذلك إلا بالأخذبعين الاعتبار ما يلي :
1 إصلاح وعصرنة الإطار التشريعي والتنظيمي للقطاع المعدني.
2 إنتاج خرائط جيولوجية وجيوفيزيائية وجيوكيميائية تغطي جميع التكوينات الجيولجية على أن تكون أكثر دقة في المناطق التي تحتوى على مؤشرات إيجابية وذلك لضمان جاذبيتة الاستثمارات الأجنبية.
3 عصرنة التدابير المتبعة فيما يتعلق بشفافية منح رخص الاستكشاف والإنتاج بحيث تكون نتائجها مباشرة على موقع الوزارة بلغتين العربية والفرنسية يطلع عليها كل مواطن موريتاني.
4 تبني خطوة زمنية واضحة المعالم تستهدف توطين الخبرات والمهارات الفنية المكتسبة والضرورية للموارد البشرية العاملة في القطاع.
5 تطوير النشاط المنجمي التقليدي وتقنينه وتنظيمه.
6 تطويرالاستثمار الوطني في القطاعات المرتبطة بالقطاع التعدين.
أكيد: شكرا لكم.