تتزين مدينة الزويرات منذ الأسابيع الماضية، بإطلالة العام الدراسي الجديد، لتذكرني وأمثالي من أبناء المدينة الذين درسوا فيها، بتلك الذكريات الجميلة، تلك ذكريات التي مرت كلمح البصر، ولكنها ظلت تراودني مع افتتاح كل سنة دراسية جديدة، ليعود بي شريط الذكريات إلى تلك السنوات الضاحكة الباسمة، التي قضيتها في هده المدينة الغالية، منذ المرحلة الابتدائية، مرورا بالمستوى الإعدادي، وانتهاء بالباكلوريا.
إنها حقا أيام جميلة لاتنسى، تعرفت فيها كغيري من أبناء مدينة الزويرات، على أساتذة متميزين مجدين مجتهدين، بذلوا الغالي والنفيس ليظل أبناء الزويرات في صدارة دائمة. كان الطابع العام للمناخ الدراسي في المدينة هو الاجتهاد، والاجتهاد المتبادل بين الأساتذة والطلاب، وكان الاحترام هو العروة الوثقى التي تربط العلاقة بين الطرفين، فأنتجت هده الجهود المتكاملة بين الأستاذ والتلميذ دفعات متميزة أثبتت جدارتها في الداخل (الجامعة، والمعاهد، ومؤسسات التكوين المهني) وفي الخارج (أوروبا و إفريقيا......).
إنها مكانة سامقة، تلك التي احتلتها مدينة الزويرات، بطاقمها التدريسي الذي اشتهرت به، فكانت ولسنوات كثيرة قبلة لهجرات من بعض ولايات الوطن تمثلت في طلاب جلبتهم إلى المدينة سمعة أساتذتها المتميزين، وطلابها المجدين المجتهدين، فكانت ثانوية الزويرات ملتقى للكثير من أبناء الوطن جمعتهم رحاب الثانوية التي فاقت قريناتها في أرض الوطن.
إنه نتاج تراكمي للجهود المتكاملة التي كان يبذلها الطاقم التدريسي، والجهات الرسمية في المدينة، وآباء التلاميذ الذين كانت جهودهم جبارة لإنجاح العملية التربوية، منذ المراحل الأولى للتدريس أي منذ مرحلة التعليم الأساسي حتى المرحلة النهائية في أقسام الثانوية.
لم يكن التألق العلمي هو السمة الطاغية على طلاب مدينة الزويرات في تلك الفترة؛ بل كان الرقي والتألق الأخلاقي من المظاهر التي سيطرت على الفضاء التعليمي في المدينة، فكان المعلم والأستاذ محل تقدير من طرف الجميع، وكان بمثابة الأب عند التلاميذ، بل يزيد عليها بمراتب أسمى، فهو المعلم، وهو الأستاذ، وهو المربي، وهو المؤطر الموجه، وهو القدوة التي يحتذى بها، ومنزلته عالية مرموقة، سواء عندنا كطلا ب أو عند وكلائنا الذين كانوا يلقنوننا ثوابت احترام وتقدير المعلم، ثم الأستاذ في مرحلة لاحقة.
لم يكن للفراغ في وقت طلاب المدينة مكانة تذكر، بل كانوا يستثمرون الساعات، ويقتنصون اللحظات، فطلاب الثانوية على سبيل المثال كانوا مفعمين بنشاط وديناميكية لاتتوقف، فكنت تراهم يستغلون الأوقات بالمطالعة والأنشطة الرياضية والثقافية التي كان أبناء الزويرات فرسانها، وحق لهم ذلك.
كانت لاتخطئ عينيك وأنت تتمشى بين أقسام الثانوية، أو الإعدادية، إعلانات الأنشطة الثقافية، أمسية ثقافية هنا، وأسبوع ثقافي هناك، وكان للتنافس في الميدان الثقافي ضجيج يبعث الحماسة ويرفع الهمم، وكانت الأندية الثقافية في تلك الفترة، يفوق عرضها الطلب، ولذلك يضيق المقام عن ذكرها، فكانت المجلات، و النشريات الطلابية، والنشاطات الثقافية، على رأس القائمة الأسبوعية والشهرية لطلاب المدينة.
ظل طلاب مدينة الزويرات، يحتفظون بالصدارة ضمن المتفوقين في الباكلوريا على المستوى الوطني، بل تألق البعض منهم ليحجز المراتب الأولى ضمن أسماء المتفوقين في المسابقة في أكثر من مرة، جاعلين من مدينة الزويرات نموذجا ناجحا يحتذى به على الصعيد الوطني، إلا أنه وفي السنوات الأخيرة، بدأت تنتشر في مدينتنا العزيزة بعض المظاهر الغير لائقة والتي تسيء إلى سمعة المدينة، التي ظلت ولسنوات طويلة تحتل مكانة مرموقة بين مصافي ولايات الوطن، على جميع المستويات (التألق الدراسي، والتجانس الاجتماعي، و الوعي المدني و الثقافي).
من حين لآخر تتعالى الأصوات التي تشكو تدني المستويات في صفوف الطلاب، وكذا ركود النشاط الثقافي للأندية الطلابية في المؤسسات التعليمية أعني "الأندية الطلابية". فضلا عن انتشار مسلكيات خادشة للحياء العام فرسانها أطفال قصر، وهي تنفذ سمومها عبر بوابات المؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى انتشار تعاطي المخدرات في صفوف الأطفال القصر والشباب من كلى الجنسين، ناهيك عن المظاهر الغريبة الأخرى التي يضيق المقام عن ذكرها......ولا أدل على ذلك (افتتاح فرع من المكتب الوطني لمكافحة المخدرات في الزويرات) وكذلك (انطلاق الحملة الوطنية لمكافحة المؤثرات العقلية في الوسط المدرسي السنة الماضية من المدينة) وهي جهود للجهات الرسمية تذكر فتشكر، ولكنها مؤشر على الخطر المحدق الذي يهدد أبناء المدينة.
لاشك أن المكانة التي احتلتها مدينتنا الغالية خلال السنوات الماضية، كانت ثمرة لتضافر جهود السلطات المحلية والآباء من جهة، والطاقم التدريسي من جهة أخرى، في عمل تكاملي متناسق، كانت نتائجه جلية في تلك الفترة، فقد احتل طلابها الصدارة في شتى الميادين، وجعلوا اسم مدينة الزويرات مرادفا للطلاب المتميزين المجدين، والسكان المدنيين المتحضرين، والفضاء الثقافي الرحب.
من حسن الحظ أن مدينتنا مازالت تحتفظ بالكثير من الميزات الحسنة التي ميزتها خلال الفترات السابقة، إلا أنه وللحفاظ على هذه المكتسبات لابد من التعاون وتضافر الجهود من طرف السلطات لإدارية، والطاقم التدريسي، و الوكلاء، والمجتمع المدني، وسكان المدينة بشكل عام، للتصدي للمخاطر المحدقة بأبناء المدينة والأجيال اللاحقة.
وتجدر الإشارة، إلى أن دور السلطات المحلية من خلال التركيز على البعد الأمني، يظل هو الآخر بمثابة صمام الأمان الذي يقف أمام أي تحد من قبيل إفساد الشباب، سواء بالمؤثرات العقلية، أو انتشار المظاهر الغير لائقة، التي لها تأثير سلبي كبير، على النسق القيمي الذي ظل سكان المدينة يتميزون به لفترات طويلة.
وخلاصة القول أختم هذه الأسطر، بالقرار الصائب الذي اتخذته السلطات المحلية، من خلال التجربة الجديدة (فتح أبواب إعدادية خاصة بالبنات)، والتي أعتبرها من الخطوات الهامة، التي ينبغي تثمينها، لأنها عبارة عن خطوة جادة، ستساهم وبشكل كبير في قطع الطريق أمام الكثير من المسلكيات الدخيلة على مدينتنا الفاضلة، والتي نجد أنفسنا مطالبين أكثر من أي وقت مضى بالوقوف في وجهها بشكل صارم وجاد .