أزويرات تشتكي لأنها عاشت يوماً حزيناً ولكنها لا عادت تبكي لأنها تشتكي ، فمن عُلوٍ شاهقٍ ، جاءت لهفة الأسى وبلغت ذروة التذمُّر ، في بلد نحن جزء منه و هو يسكننا ، ونحن فيه ولكنها تعاني مدينة ألفها القاصي و الداني مصدراً للفخر و الاعتزاز بالنبة لمن رآى فيها النور أو قطنها ليرى أهل الكرم و التواضع و الخصال الرفيعة ، لكن جرّاء الظلم الكثير و كل أصناف التضييق في حقها ، ربما جنى عليها الظُلاَّم و صارت مستباحة على حد تعبير أصحاب القلوب غير المنصفة ، وربما كان ذلك بسبب ذنب اقترفته أيادي بعض الساكنة الطيبين وهو ليس سوى واجبهم ، و في نظر البعض جريمة لا تغتفر .
ربما الأمر تعدى ذلك كله ، إذ أن للقضية جذور أبعد من هذا التخمين و لأنها ذات تاريخ ضارب في القدم مقارنة بنظيراتها وطنياً ، صارت مدينة الشمال العمالية أزويرات ، التي أعطت أكثر مما أخذت ، فهي يعتبرها البعض كالبقرة الحلوب ، فداءً لأرواح جهود اليد العاملة التي لا تزال تعاني مرارة الظلم و الإقصاء و الجبروت و إن شئت قل أنها أصبحت مدينة منبوذة لدى بعض الحماة أو الرعاة.
كانت في أول المقام تحنُّ إلى مجد يشرق ببريقه المشع ، فيه أباريق الأمل المتجدد الذي انتظره ساكنوها منذ وقت طويل ، بيد أنها لعنة الظُّلم و الجور و كذلك الحقد الدَّفِين الذي تُكنُّه قلوبهم ، ومع ذلك يسعى حسدة المجتمع بحيلهم البهيمية ، إلى تكريس ما لا يرضي الصغير و الكبير و بخلطهم للأوراق ظنُّوا عبثاً أنهم الورثة الحقيقيون ، ولكنهم بدّدوا الحلم الغالي ، حيث تعلقت آمال الجماهير العريضة ، تلك الجماهير التي تخلىَّ عنها أصحاب المبادرات ، الطامحون إلى نصيب أوفر من كعكةٍ ربما حضَّرتها أيادٍ غريبة ، كأنها قدمت للتو من كوكب ليس فيه أبسط معاني الإنسانية ، حتى لا نقول غربية ، تضييقٌ به ، تم العزل و التهميش و التجاهل غير المبرر ، بعدما كسَروا حاجز الخجل ليخلعوا بوتيرة خجولة شيئاً ما عباءة الإنسان الملتزم ، الذي يأبى محاربة أخيه و سلب ما بيده من فتاة قد يسعهما معاً ، ذلك أنهم هضموا الحقوق و استعبدوا الناس ، الشيخ الهرم صاحب التقليد الفكري ، حيث يروق لهم إسماعه شيئاً من ترنيماتهم التقتيرية الخداَّعة و الطفل الصغير الذي يحاول اليوم جاهداً التكسُّّّبَ على طريقة الأجداد ، حيث القيّم النبيلة و الأخلاق الرَّاقية ، هذا ديدنهم و لا غيره يصنعون!!!
مدينة حمراء و مُغبرَّة ، لكنها بنُبْلِ الخصال و سعة الكرم صار أهلها تائهون متاهات الضياع ، صاروا هم الأوفياء للقضية و شعارهم لا يزال نفس الشعار ، رفض الاستكانة و الخنوع و التبعية العمياء و الحرص على استرجاع الحقوق المسلوبة و تعميمها على من هم أولى بها ، دونما أي تصرف غير راشد و لا حتى ابسط تفريض في هويتهم التي يحاول بعضٌ من بني جلدتنا ضحية الغاب طمسها عبثاً و لا حتى بنيتنا التحتية على زهدهم فيها !!!
تعالت الأصوات من الجهتين ؛ فمنها ما يدَّعي و منها ما يريد للعباد خيراً ، فكان لتلك الوقفة الأبية المنصفة نصيبها حتماً من هكذا وضعية مرفوضة ، نعم ، متى و كانت المدينة المنسية أزويراتْ ، نموذجاً للإنصاف كانت أكثر بعداً و عُزلة عن أهلها ، فهي ربما في نظرهم كالفريسة تسلخ ليتنعم الآخرون بما فيها من لحم و طعم ، دون ترك أي شيء لليتامى و ما خفي أعظم .
ليس لهذه الحالة مثيل ، لا نظير في مناطق الغير ، موازين غير عادلة ، هي ما يكيلون بها ، حينما يريدون إيصال حصتها ، فهي لا تساوي شيئاً سوى التناسي و مزيداً من التناسي و التجويع ، ثم الإذلال ، كم كانت سيِّدة الموقف ، حينما وقفت ضد الظُلاَّم و قهرتهم وهم صغار ، أزويرات تشتكي ، تشتكي لمن أوجدها و ليس لمن ظلمها ، نعم ، نِعم الساكن و نِعم القاطن ، وبشراه بمدينة فيها يجد الآخرون الأمل في الحياة السعيدة و الشريفة ، حيث الكل ينعم بما رأى من أشياء جميلة.
مدينة استنزفت شرايينها في مجالات كثيرة، فعن الكهرباء ضاق الخناق على ساكنة هشة في معظم مكونات نسيجها المجتمعي، والعمل أصبحت آباره ناضبة، فانعكس على الساحة ، فتفاقمت ظاهرة البطالة ، حتى بلغت العنان.مآسٍ في استمرار و تنكُّر للحقائق ، تضييع للأمانات ،و استخفاف بالساكن البسيط و القاطن الحالم ، الذي يحلم برفاهية ، قد دام انتظارها ، سمسرة هي ما يُعامل به ساكنة المدينة الزمُّورية ، فكرَّس فيها مرضى القلوب مبادىء شيطانية ؛ تأصيل روح النزاعات و التفرقة على أساس قبلي ، حتى يتسنى لهم المزيد من الاقتياد و السيطرة ، فضاعت بذلك مدينة شمالية لطالما عُدَّتْ ضمن نقاط الاستقطاب في الوطن نظراً لحيويتها ووفرة الخيرات فيها.لكن لسوء التسيير و الطريقة التي تُدار بها الأمور من أركان المناصب الذين يُخفون القضية الأساس التي ترتكز عليها حاجات المدينة في مجالات شتى ، حتى دفعت ضريبة الممانعة ، حيث تجلىَّ ذلك ، يوم رفض عُمال اسنيم الذين لطالما عُوملوا بنظرة دونية ، طبعها بالأساس الاستغلال و الإذلال، الخنوع و الرضوخ لقرارات وتصرفات تُعبِّّرث عن من يحسبون أنهم مسؤولون في الشركة ؛ ممن يسمسرون وارداتها التي تذهب في غالبها إلى حسابات البعض من أصحاب الدائرة الضيقة الذين يحرصون على إرضاء الغير، قبل المواطن البسيط الذي حُرم ثروته وجزء كبير من كرامته ما أشبه الليلة بالبارحة !!! بالأمس جاء الرئيس و تعهد واليوم يُحرِّفُ البعض من خصوم المجتمع تلك الوعود و يلتفون حوله كالغربان الجائعة.
في مدينة شمالية ، تزخرف بوفير المعادن المنجمية و بعض النفيسة منها ، تُساق الجماهير العريضة إلى ما يشبه منصة المشنقة ، ضاقت عليهم أرض أزويرات بما رحبت ، إكراهاتٌ بشتىّ الوسائل ، تفرضها شخصيات هم أوصياء من الدرجة الأولى و مُحصِّلون في التحصيل بَرِعوا و شاخوا ، هَمُهم حلب أفراد الساكنة وكأنهم رعاة الرعاة و خاصة الخاصة في هذا المضمار، في ديدنهم خيارٌ لمن أرسلهم و حثّهم على هكذا منهج ، لا تراهم سوى في مهام جمع المال و التبرعات و في بعثات تضليل المجتمع و الاستخفاف بعقليه و حتى الصدقات ، فهم وبالٌ على المجتمع ، مسكونون بهوس المال و الأرزاق لا يردعهم وازعٌ و لا يأخذون العِبَر ، أزويرات تشكتي و لكنها تشتكي لا تشتكي لأصحاب الأذهان الضيّقة ، بعد أن خانها التائهون السائبون ، تركوا الأجيال و انصرفوا إلى عالم الأموال ، ليتهم وفدوا كالسائح المنتشي بأرض التضاريس الجميلة التي تفردت بها منطقة الشمال تقريباً...، ربما تكرَّم ببعض المال لنفع الساكنة ، ولكن هؤلاء عبثاً لا يسهرون على مصلحة المدينة ، بل يزيدون في التضييق ، عساهم يَرْضَوا بإسكات المركز التائه أصلاً من كثرة أصحاب الشورى من غير المنصفين ؛ إنهم مجانين الأموال و أصحاب الصدور الصغيرة ، من كثرة الخداع تغيَّرتْ وجوههم بعد أن كُرهت نفوسهم ...
ويحاول اليوم بعض نهبة المال العام عبثاً ، أن يطمسوا تاريخ المدينة الرائدة ومكانتها السائدة ، فهي قلعة النضال و إسماع الحقائق بما تحمل من ألوان ؛ بمُرِّها و حلوها ، نعم ، إنها تغضُّ مضجع البعض ، كم كانت رائدة في وسائل الإعلام و يفضل ساكنتها رفضت في مناسبات عدية لوي الأذرع و الارتماء في براثن أسواق النخاسة ، حيث تُساق الأفراد ، وهم مسلوبو الإرادة و الثقة بالنفس ، لا ربما في المدينة حكاية أخرى ، بها يتفاؤل العامل المستحق أكثر من المنتظر لأموالٍ ، هي كل ما جادت به سواعد العمال الشرفاء ، الذين يأبون اليوم وهم في عزة النشوة ، كل تضليل و إهانة و حتى تخويف ناهيك عن الإهانة ، إنه فجر المائدة الموحدة ، بعد توحيد النقابة و نصب أعمدة الخيمة شاهقةً ، دون لا خجلٍ و لا ملّلْ ، فقط سعياً إلى نيل الحقوق الضائعة إن لم نقل انتزاعها ، و صون الكرامة التي ما عادت لها في مدينتنا حُرمة و لا حتى هيبة ، تعالٍ و تكبُّر من نهبة المال و مُحرفيْ الكلام .