الحياة هبة الله سبحانه للأحياء و هذه الهبة ليست رخيصة حتى تترك بمعزل عن وسائل الحفاظ عليها و صيانتها بحجة "القضاء و القدر" التي يتكئ عليها الناس عادة لتبرير فشلهم في الأخذ بسنن الله التي رتب عليها –لحكمة يعلمها- حركة الحياة في هذا الكون... هذه السنن لا تجامل و لا تحابي أحدا... يقطف من ثمارها - إن أخذ بها- المؤمن تماما كالكافر مع زيادة للأول في البركة و ما شاء الله مما يخص به عباده المؤمنين من فضل... و بالمقابل يحصد المؤمن و الكافر سواء ثمار التخلي عن الأخذ بسنن الله خسارا و وبالا في الدنيا قبل الآخرة... الذي لا يأخذ بسنن الله في كونه لن يكون حصاده أوفر من ذلك الذي يدعو الله سبحانه تضرعا أن يرزقه الذرية مع أن كل محاولات إقناعه بالزواج حتى يحقق الله له مراده قد فشلت...
لماذا تنتشر الأمراض المزمنة بين الناس في أيامنا هذه؟...
و لماذا تنتشر الأمراض الخبيثة من سرطانات و فشل كلوي و التهابات في الكبد؟...
مما قد يصنف في خانة النكت أن أحدهم أشترى ذات مرة علبة تحوي غذاء و بعد أن نظر الى تاريخ صلاحيتها المنتهي منذ فترة قال لصاحب البضاعة هذه العلبة منتهية الصلاحية!... فكان جواب صاحب المحل: "نحن الموريتانيون ألا أنسمو أونكلوا أللي أجبرنا أو لا إظرنا شي امع ذاك"!!... كلمة حق أريد بها باطل...!.
لماذا تنتشر الحوادث القاتلة على الطرقات؟...
و لماذا تحصد الحوادث في المنشآت و الورشات الصناعية حياة الناس على هذا النحو الكارثي الذي نراه و نقرأ عنه يوما بعد يوم؟...
كنت مرة في زيارة لمنجم كبير في إحدى الدول التي يحترم فيها الناس حياتهم فعلا لا قولا... و كان علي لكي أدخل الى هذا المنجم أن أخضع لدورة مركزة في وسائل السلامة و أسسها و قواعدها و بعد إنتهاء الدورة كان عليهم -حتى يتركوني أدخل الى منجمهم- أن يتأكدوا أنني أستوعبت بالفعل ما قدم لي من معلومات و قواعد في السلامة المنجمية... لذا قدموا لي مجموعة من الأسئلة العملية ليروا كيف سأتصرف... فشلت طبعا في الإجابة على أسئلتهم في المرة الأولى فأعادوني لقاعة الدرس و أعادوا علي الدرس من جديد... في هذه المرة كان علي أن آخذ الدرس على محمل الجد و إلا ستتم إعادتي راشدا دون أن أحقق هدفي...
هؤلاء يطبقون حرفيا قواعد و أسس السلامة المتعارف عليها عالميا دون مجاملة و بغض النظر عن الشخص رئيسا أو مرؤوسا و ما إذا كان الأمر يتعلق بزيارة خاطفة أو ببقاء لسنوات في المكان... أما عندنا فربنا أجابك أحدهم "هذا كامل بلا فايدة ذاك ألاهي يخلك إدور يخلك"!... كلمة حق أريد باطل أيضا... أليس كذلك؟...
من المؤسف حقا أن الناس لا يتعظون حتى يتذوقوا مرارة كسبهم من تجاهل سنن الله في الأخذ بأسبابه التي رتب عليها مسبباتها... عندها تراهم -بعد حصة تلاوم بدون طائل- يهرعون من جديد الى التشبث بالأسباب لعلهم يفلحون في إنقاذ ما يمكن إنقاذه ...و هذا مسلك علاج حسن غير أن الوقاية خير من العلاج كما هو مقرر عند الرشداء ... و بعد حين ينسون الأمر و "تعود السيدة حليمة الى مزاولة عادتها القديمة" ... و ذلك وجه آخر للمأساة لا يقل حزنا و لا أسى و لا أسفا عن بقية وجوه المشهد الكالحة.
أعتقد أن الأمر يتعلق بثقافتنا التي لم تنقطع بعد صلتها الوثيقة بالبداوة و ما تختزنه من طبيعة تنفر من الضوابط و القيود... هذه الثقافة هي المتحكمة في "اللاّ وعي" لدى كل واحد منا!... نحن –إذن- بدو على كل حال... سواء لبسنا بدلات آخر اللمسات الأوروبية أو أمتطينا رباعيات الدفع الفارهات و أو تحدثنا الفرنسية على نغمة "فكتور هوجو" ... نحن بدو في كل حال...
علينا أن نغير من قناعاتنا و ثقافتنا حتى يتغير حالنا و نحل ما استعصى من مشاكلنا التي هي منتج مباشر لثقافتنا و نظرتنا الفوضوية للحياة و فهنا المعتل لسنن الله في كونه و حكمته في خلقه ... و قد كان من سنن الله في خلقه: " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ" (الرعد:11)...
و خير الكلام ما قلّ و دلّ.
د. محمد محمود سيدينا.