حققت أسعار خام الحديد قفزات متتالية خلال الأسبوعين الماضيين، وقد شهدت الأسعار قفزة كبيرة في 13 من الشهر الجاري والتي كانت بواقع 7.45% ، حيث ارتفعت الأسعار حينها إلى مستوى قياسي هو الأعلى منذ أغسطس/2014 لتصل إلى 93.05 دولار للطن حسب مؤشر Platts ، قبل أن تتراجع مجددا إلى 90.85 دولارا للطن، لكنها حققت قفزة نسبية أول أمس الإثنين بواقع 3.19% معوضة بذلك الخسارة التي منيت بها خلال الأيام السابقة، بالإضافة إلى قفزة جديدة أمس الثلاثاء بواقع 1.39 % لتعود الأسعار للارتفاع من جديد وتتخطى95 دولار للطن.
وتأتي هذه القفزات في ظل انقسام المحللين إلى معسكرين :
المتفائلون بارتفاع الأسعار
على رأس المتفائلين بصعود الأسعار عملاق التعدين العالمي مجموعة ريو تينتو(Rio Tinto) الأنجلو- أسترالية والتي صرح مديرها المالي السيد كريستوفر لينش (Christopher Lynch) مؤخرا أنه يتوقع أن لا تشهد الأسعار تراجعا حادا خلال السنة الجارية نظرا لاستقرار الاقتصاد الصيني، و ما سيصاحب ذلك من انتعاش في الطلب على المادة الخام.
والمتتبع لمؤشرات السوق الصيني يلاحظ أن الطلب على خامات الحديد في الصين قد ارتفع ، حيث ذكرت بيانات أصدرتها الإدارة العامة للجمارك الصينية أن واردات الصين من خام الحديد بلغت 92 مليون طن خلال يناير المنصرم بينما كانت قد بلغت 82.13 مليون طن خلال يناير 2016م، محققة زيادة بواقع 12 % ،وخلال السنة المنصرمة بلغ حجم واردات الصين من خام الحديد (1.024 مليار طن) بزيادة 7.5% محققة بذلك رقما قياسيا لأول مرة بتجاوزها المليار طن.
المتشائمون بهبوط الأسعار
وعلى رأس المحللين المتشائمين الذين توقعوا هبوطا للأسعار نجد مجموعة سيتي جروب (Citigroup Inc) ،التي توقعت أن تهبط الأسعار إلى 70 دولارا للطن في الربع الثاني من السنة الجارية على أن تصل إلى مستوى 53 دولارا للطن خلال الربع الأخير، كما توقعت مجموعة سيتيك الصينية (CITIC Limited) أن تهبط الأسعار إلى حوالي 48 دولارا للطن مع نهاية العام الجاري. ويعتقد المتشائمون أن العوامل التي تقف وراء ارتفاع الأسعار هي عوامل مؤقتة، لا يمكن التعويل عليها على المدى الطويل خاصة أن الحالة العامة للسوق العالمي لا تزال تعاني من التخمة وفائض في المعروض.
توقعاتنا حيال الأسعار
المتفائلون حيال السوق لهم أسبابهم والمتشائمون كذلك، ونحن نتوقع استمرار نمو الطلب الصيني على المادة الخام خلال العام الجاري نظرا لزيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية الصينية المستهلكة للحديد، حيث أظهر التقرير الحكومي لسنة 2017 الصادر قبل أمس الإثنين التوجه العام للحكومة في زيادة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية خاصة في شمال وغرب الصين، فعلا سبيل المثال لا للحصر تمت المصادقة على خطة إسراع بناء وتطوير البنية التحتية للنقل لإقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة، حيث سيتم ضخ 200 مليار يوان للاستثمار في إنجاز الطرق السريعة، و 34.7 مليار يوان لبناء السكك الحديدية، و 14.35 مليار يوان لتطوير المطارات؛ وهذا ما يجعل هبوط الأسعار في ظل تنامي الطلب من دولة كالصين التي تستحوذ على حوالي 65% من صادرات العالم من المادة الخام أمرا غير متوقع. لكن اقتراب حجم المخزون على مستوى الموانئ الصينية من 130 مليون طن، بالإضافة إلى أن تحسن الأسعار قد يعيد الحياة إلى مئات المناجم الصينية الصغيرة مما يعني زيادة الإنتاج الداخلي وبالتالي تخفيف الصين من اعتمادها على الحديد الخارجي، خاصة ونحن نعلم أن أي زيادة في الأسعار بواحد دولار للطن تعني الزيادة بواحد مليار دولار سنويا؛ كل هذه أسباب قد تسفر عن تقويض انتعاش الطلب الصيني على خام الحديد الخارجي أو تحد منه.
وقد تكون زيادة الطلب الصيني واستمراره على الخامات عالية التركيز دون غيرها هي الحلقة المفقودة في العلاقة بين المتفائلين و المتشائمين، خاصة أن هذا النوع من الخامات تفتقر مناجم الصين إليه، واستخدامها في إنتاج الصلب يوفر ملايين الأطنان من فحم الكوك ويخفض نسبة التلوث الناجمة عن مصانع الصلب.
وتبقى الحقيقة التي لا مراء فيها، أنه لم يتوقع أكثر المتفائلين من خبراء، واقتصاديين، ومحللين أن ترتفع الأسعار من 38 دولار للطن ديسمبر 2015 إلى 93 دولار للطن فبراير 2017 ... من يدري ربما تثبت الأيام القادمة خطأ المتشائمين .
د. يربان الحسين الخراشي