تتوق النفوس السليمة والفطر الأصيلة إلى حب كل من تتوفر فيه بعض دواعي المحبة ، وقد تقل تلك الدواعي وقد تكثر فتميل النفس ميلا وتنجذب انجذابا إلى ذلك المحبوب الذي يأسرها فيملكها، يحدث هذا مع الأجسام والأعراض والأجرام فكيف لو كان هذا المحبوب هو من جعل الله فيه كل فضيلة وحباه بكل مكرمة وأحاطه بعنايته وقربه منه وزكّاه، إنه الرحمة المهداة من الله عز وجل إلى الكون بأسره ،
فقد حباه ربه بما لا يخطر على بال من حسن معاملة وجميل معاشرة ، من رآه من بعيد هابه ومن جالسه أحبه ، يتدفق حبا وحنانا ورأفة ورحمة ولينا وسماحة وشفقة ، وحتى ألد أعدائه كان يتسلل في هدأة الليل ليتسمّع حديثه الشيق مدفوعا إلى عظمة هائلة نسجتها يد القدر فألبستها لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وها هو حانق آخر يمتشق سيفه ويتأبط شرا ويطوي في نفسه من البغض والرغبة في الإنتقام ما لا يعلمه إلا الله فإذا تقابل مع المبعوث رحمة للعالمين يُسقط في يده ويتلعثم ويغير رأيه فتلحقه عناية الله عز وجل فيضيفه الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى لائحة المهتدين ،
إن من تعرّف على نبذ من حياته وسيرته ومعاملته لأعدائه وخصومه لا بد أن يدرك عظمته وسمو نفسه وبعد نظره وجلال قدره وحسن تربيته، فقد كانت استراتيجية النبي صلى الله عليه وسلم تعتمد على التقريب والجمع وذلك بتقليل الأعداء وزيادة المناصرين رغبة في إنقاذهم من عذاب موعود وشفقة عليهم وبتجميعهم صفا واحدا لا مجال فيه لإقصاء أي عنصر مهما قل شأنه وخف عمله ونبذته جماعته ، فقد كان مجلسه العطر ملتقى الصفوة والأخيار ، حيث تسبك النفوس وتصهر القلوب والمشاعر في قوالب المحبة والبذل والعطاء: جيل فريد من تربية محمد صلى الله عليه وسلم لن يتكرر في أي عصر من العصور.
إن العالم اليوم لهو محتاج إلى سيرة الصادق المصدوق قبل أي وقت مضى لكن بحسن عرض يفي ببعض جوانب شخصيته الفريدة ليتعلم العالم ويتعظ ويتأسى ؛ وحينها سيخرس الموتورون والمأجورون وسيعودون القهقرى خبيثة نفوسهم سمجة أخلاقهم .
أما المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد رفع الله ذكره وقرن اسمه باسمه {ولسوف يعطيك ربك فترضى}.