E- mail; [email protected]
المرابط ولد محمد لخديم
تحتفل موريتانيا بالعيد السادس والخمسون للاستقلال في أطار عاصمة آدرار معتزة بهده الذكرى ومخلدة الأجيال التي ضحت من أجل الاستقلال ومن أجل بناء الدولة المستقلة...
وقد شهد الاحتلال مقاومة شرسة مسلحة وأخرى ثقافية مؤطرة حيث واجه الموريتانيون بأسلحتهم البسيطة وبندقياتهم محلية الصنع (لكشام) آلة الاحتلال الفرنسي مكبدة إياه خسائر فادحة وقتل العديد من قادة الجيش الفرنسي وحكامه العسكريين...
في هدا المقال لن ندخل في التفاصيل وتحليل المعلومات فدالك يحتاج الى كتب ومجلدات وهو ماسنحاول العمل عليه بحول الله مستقبلا...وسأكتفي بعرض الوقائع في عجالة, (1905-1960)
يمكن تقسيم الإحتلال الفرنسي لموريتانيا إلى ثلاث مراحل:
مرحلة التّغلغل السّلمي والسّيطرة غير المباشرة عن طريق الدبلوماسية الكبولانية ثم مرحلة الإخضاع العسكري. واخيرا تصفية المقاوِمة وتأمين الاحتلال بمقتل الأمير سيد أحمد ولد أحمد عيدة.
إن الكلمة صوت نجسد فيه أفكارنا، ولما كان جسد الشيء على مثال ما نجسده فيه، فان أجساد أفكارنا الصوتية إنما هي على مثال هذه الأفكار التي نجسدها فيها
لقد راودتني هده الفكرة مند مدة عندما كنت على اتصال مباشر مع الباحث المتميز سيد أحمد ولد الأمير المقيم في قطر حين كان يترجم آن داك وثائق فرنسية ويعرضها على صفحته الخاصة وكانت فكرتي أن نستفيد من البرنامج الذي كانت تقدمه الجزيرة الوثائقية والموسوم بأرشيفهم وتاريخنا...
وخاصة ولاية آدرار التي ندرت حولها الكتابات الجادة من جهة كوني رئيسا للجمعية الوطنية للتأليف والنشر ومن جهة أخرى أحد أبناء هده الولاية إلا أن المشروع لم يرى النور نتيجة لضعف الإمكانيات وعدم الاهتمام بهده المواضيع...
أما الآن وبعد العناية الغير مسبوقة بتاريخ المقاومة من قبل رئيس الجمهورية فإننا أصبحنا نفكر في ضرورة إحياء مشروعنا من جديد وندعوا له الجميع من أبناء المدينة وخارجها ممن يمكنه المساعدة للالتحاق بنا...
قبل أن ندخل في هذا المقال يجدر بنا أن نعرض لبعض المغالطات التي تظهر في الكتابات من هنا وهناك والتي تتعلق بالدفاع عن المستعمر عامة بما في ذالك ماقيل عن معركة أم التونسي..,
وقعت المعركة في 18 أغسطس/ عام ،1932م وقتل فيها 6 ضباط فرنسيين من بينهم الملازم ماك ماهون نجل الرئيس الفرنسي وقتها...
ومن المؤسف أن نرى في الوقت الحالي من بني جلدتنا من يشكك في هده المعركة نيابة عن المستعمر...
ويقول هؤلاء أن كبولاني كان سينشأ دولة البيظان وأحيلهم إلى الخطة اللئيمة المحترسة التي كان ينتهجها كبولاني بعد أن رفعت الخارجية الفرنسية السرية عن كثير من الوثائق: أولها محاربة الإسلام بإتباعه وسائل وأساليب عديدة منها: سياسة التّفريق بين المسلمين البيض والزّنوج ومحاربة اللّغة العربية ونشر اللّغة والثّقافة الفرنسية وإهمال التّعليم والصّحّة ومحاولة نشر المسكرات وإفقار الشّعب وإذلاله...
أما افرير جان هدا الذي تمتلأ المكتبات الموريتانية من كتبه وترجمت إلى العربية هو دالك المتوحش الذي أطلق الرصاص على أحد المجاهدين عندما وقع في أسره وقد كان لهده الحالة البربرية وقع كبير في الصحافة الفرنسية حيث أنها انتقدت تصفية أسير حرب جريح بعد أن قدر عليه...
وليس هدا فقط بل انه أمر بحرق جثث موتى المجاهدين... وهكذا...
ولعل الاهتمام والعناية التي أولاها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز لحقبة المقاومة الوطنية المجيدة وزيارته لقبور الشهداء وساحات المعارك وتأكيده لإعادة كتابة التاريخ من جديد.. بعيدا عن التلاعب بتراث الأمم و أمجاد الشعوب..ستنفض الغبار عن الكثير من الحقائق التي مازالت مجهولة..
فمادا نأمل من مستعمر قتل وهجر ونهب وغيب هو وأذنابه الحقائق ولكن التاريخ يوثق ويكتب ويسترجع للأمم المظلومة والمقهورة حقوقها ولو بعد حين..
لقد جاءت معركة تجكجة في سياق تاريخي وطني خاص حيث كان المستعمر الفرنسي آنذاك يخطط لبسط نفوذه على مناطق عدة من البلاد وقد تحقق له دالك في سنة 1899م كانت القبائل البيضانية الأساسية الّتي تقطن مناطق النّفوذ السّوداني قد أعلنت خضوعها وأصبحت ملزمة بدفع رسوم الانتجاع والعشور...
وهو الذي كان معروفا بدراساته الإسلامية وقد تقمص هده الشخصية ليتفاوض مع قبائل البيضان والطوارق ودراستهم من وجهة النّظر السّياسية والدّينية، وكان هدفه هو مسالمة القبائل والتّفاوض معها وإقناعهم بدور فرنسا الإنساني في العالم الإسلامي !!!
ومن هنا يتضح ما لقتله من انعكاسات ايجابية على المنطقة كلها وبخسارة فرنسا الاستعمارية لأحد ابرز المنظرين الاستعماريين..
نزل المجاهد سيدي ولد ملاي الزين في وادي أمحيرث الذي يبعد 56 كلم من أطار عاصمة آدرار و بدأ التخطيط للمعركة بالتشاور مع رفاقه و اتفقوا على السير بسرعة إلى ميدان المعركة تحركهم إرادة قوية واطمئنان بهزيمة الأعداء ودالك بعد رؤية القائد سيدي ولد مولاي الزين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أن الشيء بالشيء يذكر فان هده الحادثة تذكر بحالة السلطان سيف الإسلام ممدوح ابن ممدود (قطز) الذي رأى رؤية مشابهة استنهضت همته وجعلته ينتفض من عبد مملوك إلى قائدا فذا هزم جيش التتار الذي لايقهر.. ليصبح بعد دالك من أعظم الشخصيات في تاريخ المسلمين..
وكان للتربية الإسلامية والثقة بالله أثرا كبيرا على سلوك الرجلين...
ولولا قوة خفية غير مفهومة لا تمكن عصبة من الرجال بأسلحة خفيفة محلية الصنع(لكشام) من اقتحام مقر المنظر الاستعماري كزافي كبولاني أكبر منظر استعماري في غرب افريقيا وقتله ودالك في الثاني عشر من مايو 1905م.
يقول بيربونت (أن مجموعة منحدرة من آدرار هم الذين هاجموا المركز العسكري الذي كان وقتها مايزال قيد البناء ثم قتلوا كبلاني واستولوا على المركز لبعض الوقت).
وفي آدرار التفت المقاومة حول الشيخ ماء العينين وسيدي أحمد ولد أحمد عيده ...
وقد كانت للأمير المجاهد صولات وجولات أنهكت المستعمر داخل ولاية آدرار كواقعة أماطيل وخارجها حيث تم أسره في تشيت سنة1911 م.
وقد فقدت المقاومة الوطنية في عموم الوطن أبطالا مشهورين قتل ولد عساس في آلا ك و بكار ولد اسويد أحمد في بوكادوم تكانت..
إلا أن المقاومة واصلت نضالها عن طريق مقاومين أخريين كاامتدادا لها مثل:
أحمد ولد الديد و سيدي ولد الغوث و فوديل دياكيلي وبناء عبدوك وعبدول بوكاركار، ومامدولا مين...الخ
إذا نستخلص مما سبق أن أجدادنا الأشاوس قاوموا بمقاومة ضارية لذلك المستعمر الغازي رغم الفرق بينهم وبينه في العدة والعتاد...وأنهم وان كانوا يريدون بدالك الشهادة فإنهم إنما يؤسسون تلقائيا لميلاد دولة..رحمهم الله... وإنهم يستحقون علينا توثيق بطولاتهم في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والمكتوبة...
وقد واكبت هده المقاومة العسكرية مقاومة ثقافية كمؤطر وموثق لما جرى في تلك المعارك من بطولات خالدة... متشبثين بتعليمهم الأصلي (المحظرة الموريتانية) واقفين أمام كل محاولات المستعمر الترغبية والترهيبية بالتخلي عنها..
وهي الثقافة التي كانت عصية على المستعمر كحاجز منيع يصعب اختراقه
ويكفي (المحظرة) فخرا أنها وحدها هي التي وقفت حارسا أمينا وسورا منيعا في وجه المستعمر الفرنسي عند ما عجز سلاحنا غير المتكافئ. بذلك شهد شاهد من أهلها CRISTIAN LAGRE
يقول المسمي(كريستان لجرى) في رسالة سرية إلى الوزير المعني في فرنسا ما خلاصته:
« إن الأفارقة قلدونا في الملبس وفي كل شيء ماعدا موريتانيا التي تمثل الثقافة فيها أعلى مراقي المجد فما زالت لها مكتباتها(700 مجلد من شنقيط وحدها) ولهم قضاؤهم المستقل» ثم يقترح حلا لذالك الصمود, وهو زعزعة مكانة العالم, والمحظرة, وتشجيع أطفال المدرسة الحديثة بإعطاء المنح وفتح الكفالات وتوفير الملابس مجانا إلى أخر الاقتراحات....
لتصطدم بعد ذالك بمثقفين مبهورين بكتابات وأفكار المستعمر ما ذا يقرءون، وما ذا يترجمون؟.... ولا شيء أكثر من هذا .. يكفيهم أن يستطيعوا ملاحقة الأفكار، دون أن يكون عليهم أن يواجهوها، أو يفندوها...
أما التأليف عن ولاية آدرار عامة والمقاومة خاصة فما يزال شبه معدوم والمتتبع لتلك المواضيع الحساسة يلاحظ الكثير من التلاعب بالتراث عن قصد أو غير قصد بدون حياد ولا إنصاف...
وهولا يزال في أغلبه تاريخاً شفهياً ولم يوثق، في حين أن المعنيين بالتاريخ المروي من شيوخ ثقات ورواة يغيبهم الموت يوماً بعد يوم من دون أخد ما لديهم من معارف تكاد تندثر...
فهل ننطلق مع حادثة رفع العلم في ولايتنا لأول مرة ونشمر عن سواعدنا ونستثمرهدا الاتجاه العام بكتابة تاريخنا بعد تبنيه من رئيس الجمهورية؟
ونفرح فرحتين أولاهما: برفع العلم الوطني في ولاية آدرار ومايمثله هدا الحدث الجلل من استرجاعنا لحريتنا وكرامتنا وثرواتنا,وقيامنا برسالتنا الخارجية بدون وصاية....
والثانية حتمية كتابة تاريخنا بأيدينا لابيد عمرو.