مساحة إعلانية

سعر الحديد تركيز: 62%

 

104,09 $    

مساحة إعلانية

Résultat de recherche d'images pour "‫مساحة اعلانية‬‎"

تابعونا على الفيس

فيديو

هيبة القضاء / امم ولد بوزومة

جمعة, 11/11/2016 - 23:33
امم ولد بوزومة

 تعتبر السلطة القضائية أقدم سلطة ظهرت في التاريخ الإنساني، وكان ظهورها سابقاً حتى على نشأة فكرة الدولة أو نشأة السلطة التنفيذية أو التشريعية، فقد ارتبط وجود القضاء -كضرورة اجتماعية حتمية- بظهور أول تجمع إنساني للبشرية لفض ما ينشب بينهم من نزاعات، وكان احترام وتوقير القاضي والانصياع لحكمه شرطاً أساسياً يتوافق عليه جميع أفراد المجتمع، فكانت الثقة العامة في القاضي، التي يوليها له المجتمع، وهيبته والنزول على حكمه هي كل مؤهلاته للجلوس على منصة القضاء، فهيبة القضاء ومهابة القضاة ليست ترفاً أو مزية يجوز أن نسبغها عليهم أو ننزعها عنهم،

وإنما هيبة القضاة من هيبة الشرع أو القانون الذي يقومون على تطبيقه على الناس، فإذا زالت هيبة القضاة زالت معها هيبة القانون الذي يطبقونه، وإذا زالت هيبة القانون من النفوس سقطت الدولة وعمت الفوضى. ومن هنا كانت وظيفة القضاء من وظائف الإمامة العظمى التي يتولاها الأنبياء والرسل، ثم آلت إلى السلاطين والملوك والرؤساء في الدولة المدنية، ثم صارت إلى المحاكم التي تتولاها السلطة القضائية في الدولة الحديثة. وهيبة القضاة تعد الضمانة الرئيسية لاستقلال القضاء، فالقاضي هو القائم علي تحقيق العدالة، وفق الحق الذي أراه الله إياه، فهو المخاطب بقوله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) سورة (ص) الآية (26). وهو مخاطب أيضاً بقوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً) سورة النساء، من الآية (105). و

هيبة القضاة هي قرين الاحترام والرفعة والتوقير والتبجيل، لأنها إقرار من المجتمع للقضاء بالأمانة والعدالة، وفي إجلال القاضي إعزاز ورفعة للحق وإذلال للباطل، والقاضي عدول مؤتمن على الحق والحقيقة، وقوله صدق نافذ لا يُرد، وحكمه عنوان للحقيقة فهم أصحاب الهامات والقامات العالية الذين إذا أحسن الناس أحسنوا وإن أساءوا لا يظلمون،

هم مع الضعيف حتى يقوى، وضد القوي حتى يعدل، لا يضعفون أمام المواجهات، ولا يتراجعون أمام الإغراءات، ولا يتهاوون أمام التحديات، هم الناطقون بالحق والحقيقة، ولا يسكتون عن ظلم، لا يصانعون ولا يضارعون ولا ينصاعون للمطامع فهم طلاب حق ومبادئ لا منافع ومبالغ، حافظون للحقوق وينقضون الباطل بالحق، يقولون فصلاً ويحكمون عدلاً. والأصل في القضاة العدالة لا الجرح والخيانة، هم أطباء النفس، بيانهم عدل وإحكامهم رسالة حق وبلاغ عبرة وبشرى سلام، يوازنون بين روعة الشرعية التي تربوا عليها، والعدالة التي يحملون أمانتها، يعرفون الواجب ويَصْبون إلى حُسن القيام به ويستلهمون صواب الرأي وطمأنينة اليقين، يحملون عبء الأمين على الأمانة وعبء الانتصار للحق، ومعاناة أصحاب الضمائر النقية، وعبء قهر الظلم وإغاثة الملهوف حتى يطمئن قلبه ويهدأ روعه، ويرفعون الإشكال ويزيلون الالتباس في تحري الحق والصواب بالدليل والحجة والبرهان ليرفعوا كرب الظلم عن المكروب به، فهم يلون أمراً عظيماً في منع وقطع الخصومات والتناحر بين الناس وإزالة المفاسد، ويدفعون الظلم والجور والضرر من غير حيف أو ميل أو هوى، ويرفعون التهارج وينصرون المظلوم، ذوو فطنة وتيقظ لا يؤتون من غفلة ولا يخدعون لغرة، بعيدون عن طلب الشهرة وحب الظهور.

فالقاضي هو المستخلف على الأمة لحمل رسالة رب العالمين في إرساء الحق والعدل بين الناس، مصداقاً لقوله تعالى: "يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى"،

وفي المحاكم البريطانية لا يستطيع الفرد أن يعطي ظهره للقاضي إذا أراد الانصراف من بين يديه، إجلالاً وحفظاً لهيبة القضاء، كما يحظر القانون البريطاني والمحاكم الأميركية التصوير المرئي أو المسموع أو التقاط الصور في المحاكم أو رسم صور الأشخاص، سواء كانوا من القضاة أو المحلفين أو الشهود أو أطراف الخصوم والقاضي يُفترض فيه أن يكون عالماً من غير كبر، قوياً من غير عنف، ليناً من غير ضعف، لا يطمع قوي في باطله، ولا ييأس ضعيف من عدله، فيكون حليماً متأنياً ذا فطنة وتيقظ، لا يؤتى من غفلة، ولا يخدع لغرة، صحيح السمع والبصر، عالماً بلغة ولهجات أهل وطنه، عفيفاً ورعاً منزهاً بعيداً عن الطمع، صدوق اللسان، ذا رأي ومشورة، لكلامه لين إذا قرب، وهيبة إذا أوعد، ووفاءً إذا وعد، ولا يكون جباراً ولا عسوفاً، فيقطع ذا الحجة عن حجته، وأن يكون في الوقار سالكاً، وعن المزاح معرضاً.