تمر الأمة بمنعطف في مسيرتها من المنعطفات الصعبة التي ربما مرت به من قبل باعتبار التاريخ حلقات منتظمة لا تحابي أحدا و لا تستشيره . و تحتاج الأمة إلى أبنائها و مصلحيها و قادتها في كل وقت خصوصا إذا عزت تلك الصفات و ندرت، بل إن الجميع مطالب قبل أي وقت مضى بإعداد الأنفس و شحذ الهمم و صناعة القادة ، هذا الإعداد لا بد أن يكون متنوعا: إعداد تربوي يأخذ في الحسبان الحاجة الماسة لموائد الوحيين و عصارة تجارب الصالحين و هدي الصفوة الأول و ما رَقًّ من لفتات المربين مع البعد عن فلتات الزهدة و الغلاة حتى يُقطع شوط نحو التزكية المتوازنة، ثم إعداد فكري يتشبع المرء فيه من غذاء العقل يكون الرصيد الهائل الذي سطره مفكرو الأمة حاضرا و تُراعي في ذلك الحاجة إلى جيده و صحيحه و أكثره لصوقا بالواقع و أكثره إنصافا و اعتدالا، فأي أمة يغيب الفكر المستنير في أبنائها لا يُرتجى أن تقطع الخطوات المرسومة لها و لا أن تحقق أي هدف من أهدافها، و لا بد كذلك من إعداد علمي يرتفع به الناس عن المهاترات و الخضوع للشكل على حساب الجوهر و يسمو كل واحد عن نقاشات هنا و هناك في مسائل متجاوزة و لا تفيد في ما نحن بصدده من مغالبة للأعداء و قهر للخُصوم الألداء و ريادة تنتظر من الجميع.
إن جيلا لا يمتلك ناصية العلم أعني بالعلم ما كان بانيا صحيحا لا غلو فيه و لا شطط لهو جيل محكوم عليه بالفناء الحضاري، علم ينهض بالأمة دنيويا و أخرويا، فيه الفقه المؤصل المرتبط بالواقع و منه العلوم الحياتية الضرورية لتقدم الأمة، إن العلم سلاح ناعم قليل الخدش قوي الردع صارم الحجة و عكسه الإفلاس و البطالة و البقاء على قارعة الطريق. إن شمول الإسلام و إحاطته و عالميته تفرض على أبنائه و أهل الفهم منهم أن يعتنوا به كلاًّ لا بعضا و يَحذروا من تجزئته و شرذمته، و يدفعوا الأجيال إليه جميعا بتوازن مراعين الأولويات التي يفرضها الواقع و تحددها المتطلبات آخذين من كل جانب بما تمس الحاجة إليه، دون أن يفرض ذلك عليهم فرضا فالأمة الرائدة هي التي تحدد أولوياتها و تخطو نحو أهدافها لا أن تفرض عليها أجندات غيرها و تُحدد لها مسيرتها سلفا.
إننا إذا أخذنا بسنن الله التي وضع لعباده و لم نقفز عليها و لا على شرعه الحكيم و استفدنا من أخطائنا و تجارب غيرنا و كان التقييم و المحاسبة حاضرين، و ابتعدنا عن المجاملة و المحاباة و الدبلوماسيات الباردة و أخلصنا نياتنا لله عز و جل و اجتهدنا و تقللنا من المُثقلات و نظرنا إلى من هو فوقنا و نبذنا الكسل و الخنوع فإن الله سيغير حالنا لا محالة و تلك سنة من سنن الله الثابتة. و كنا بالفعل كما قال الشاعر: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البناء.
____________________________________
ملاحظة:
الكتابات أوالآراء الواردة في الموقع لا تمثل بالضرورة وجهة نظر الموقع وإنما تمثل وجهات نظر أصحابها.