تناقلت المواقع الموريتانية نهاية الأسبوع المنصرم خبر اتفاق بين الحكومة وشركة تازيازت تعهدت بموجبه الشركة المعنية بمرتنة الوظائف في حلول 2020 م على أبعد تقدير،ونقل مكاتبها بمدينة لاس بالماس الإسبانية إلى بلادنا قبل نهاية العام الجاري، مع استئناف نشاطاتها الاستخراجية والإنتاجية، ومعالجة الذهب بالمنجم خلال شهر أغسطس الجاري، وذلك بعد توقف عن العمل لفترة بفعل الأزمة الأخيرة بين الشركة والحكومة.
وهنا يحق لنا أن نتساءل عن الأسباب التي تقف وراء رضوخ الشركة والاستجابة لأبرز مطالب الحكومة حسب ما يراه البعض أو تقديم التنازلات من كلا طرفين إن صح التعبير؟ لا أعرف بضبط الدوافع والأسباب المباشرة التي وقفت وراء اتخاذ إدارة الشركة لقرار الجلوس على طاولة المفاوضات، والتوصل إلى هذا الاتفاق. لكنني أعتقد أنه هناك ثلاثة أسباب رئيسية غير مباشرة قد تعتبر تفسيراً منطقيا غير مباشر لاستجابة تازيازت خاصة في ظل غياب المعلومات عن حيثيات هذا الاتفاق.
السبب الأول-: الخصائص الجيولوجية و التعدينية للمنجم شخصيا وبحكم تخصصي اعرف جيدا أننا قد نحتاج إلى مئات المتخصصين وتأليف عشرات الكتب لشرح هذا السبب، لكني سأكتفي بالإشارة إلى أن الاحتياط المؤكد من الذهب لمنجم تازيات يبلغ حوالي 260 طنا، بالإضافة إلى احتياطات أخرى معتبرة تم اكتشافها مؤخرا في نفس المنطقة. ونوع المنجم سطحي يتميز بخصائص جيولوجية، و بنيوية، ومعدنية تجعل من ظروف استغلاله ،وتكلفة استخراج، ومعالجة الذهب منه تنافسية جدا على المستوى العالمي إن لم نقل من أحسن المناجم تنافسية، وقد يصبح هذا المنجم أهم منجم للشركة حول العالم و خاصة بعد أن يتم تنفيذ التوسعة الرامية إلى مضاعفة الإنتاج مستقبلا.
السبب الثاني-: الأزمة الأوربية القادمة ولجوء المستثمرين للذهب كملاذ آمن قبل أن يفيق العالم من الصدمة التي خلفها تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، بدأ الحديث عن أزمة البنوك الإيطالية التي تعاني من مشكلة قروض متراكمة غير قابلة للتحصيل تصل قيمتها إلى 360 مليار يورو في وقت يعاني أقتصادها من ركود منذ أكثر من ثلاث سنوات وهذا ما جعل منه الأسوأ في أروبا إذ يبلغ الدين العام حوالي 133% نسبة للناتج المحلي الإجمالي، مما يعني أن أزمة المصارف الإيطالية قد تنفجر في أي لحظة فاتحة الباب أمام بقية الدول الأوربية خاصة إسبانيا والبرتغال اللتين على طريق الأزمة ؛ عندها سيتوجه المستثمرين لشراء الذهب باعتباره ملاذا آمنا في أوقات الأزمات مما قد يرفع من سعره إلى حدود 2000 دولار للأونصة.
السبب الثالث:- الدور المستقبلي للذهب في النظام المالي العالمي الجديد بعد الأزمة المالية2008 م بدأت الحاجة إلى نظام مالي عالمي جديد تبرز يوما بعد يوم. النظام العالمي الجديد وحسب المتخصصين في هذا المجال لابد أن يستجيب لمتطلبات الوضع الاقتصادي الدولي الحالي الذي بدأت الاقتصاديات الناشئة تلعب فيه دورا محوريا. ويعتقد بعد الخبراء أن الحل يكمن في عملة عالمية موحدة من الذهب أو سلة عملات يتم التعامل بها عن طريق نظام حقوق سحب. وتشير بعض الدراسات لسيد روبرت فوجل (Robert W. Fogel ) الحاصل على شهادة نوبل في العلوم الاقتصادية إلى توقعات بأن إجمالي الناتج المحلي للصين سيصل في العام 2040 إلى 123 تريليون دولار أميركي، ليصبح يمثل 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينا سينكمش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي إلى 14٪. مما سيشكل تقويضا لنظام السندات الخزينة الأمريكية التي يتركز عليها النظام العالمي المالي الحالي. إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس إلا جزء من رأس جبل الجليد الذي بدأ يظهر للعيان منذ الأزمة اليونانية والخافي أعظم، بل يعتقد البعض أنه بداية لتوجه عالمي جديد تقوده نسبة 99% من سكان العالم ضد 1% الذين يملكون أكثر من 50% من ثروات العالم خلال العام 2016 بزيادة قدرها 10% عما كان عليه الحال سنة 2014 ،
وبدون شك أن عدم المساواة في الثروة إذا ما استمر معدل الزيادة بنسب مرتفعة كهذه سنصل نقطة اللاعودة في المستقبل القريب. وفي كل الأحوال فإن شراء المعدن النفيس الذهب كان ولا يزال و سيظل على الدوام الملاذ الآمن الرئيسي لمعظم المستثمرين في جميع أنحاء العالم خلال الأزمات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أن الذهب يشكل 73.3% من إجمالي احتياطيات الولايات المتحدة الأمريكية، و 67.4% من من إجمالي احتياطيات ألمانيا، بينما لا تملك بلادنا أي احتياط من المعدن النفيس. كنت أتوقع أن تشترط بلادنا تخصيص نسبة معينة من الإنتاج السنوي للمعدن كاحتياط لبلادنا يدعم احتياطياتها من العملات الورقية التي قد نستيقظ يوما وقد فقد جل قيمتها خاصة اليورو ،مع أنني أعتقد أن تطوير الزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي قد يكون أكثر تحصينا لمجتمعنا و أمنا لوطننا من تكديس الذهب والفضة و الأوراق المالية أي كان نوعها.