من المعروف أن القمة العربية التي تحتضنها العاصمة انواكشوط هذه الأيام ؛ حدث هام جدا ، ونجاح هذه القمة بالذات ينبغي أن يكون محل إجماع وطني وأمنية لكل المواطنين الموريتانيين باختلاف مشاربهم الفكرية وولاءاتهم السياسية ومواقفهم الحقوقية وانتماءاتهم الاجتماعية ؛ إذ بنجاحها يكتب لهم النجاح جميعا ويحسب لهم ولأسلافهم الشناقطة بل يتعدى ذلك ليصل أخلافهم من المنتمين للدولة الموريتانية في قابل الأيام ..
إن كل مواطن موريتاني مطالب بالمساهمة في إنجاح قمة انواكشوط ؛ كل من موقعه حسب جهده ومستواه ، وأول ما يجب تصوره تجاه هذه القمة وطبيعة التعامل معها هو أنها قمة للأمة وليست للأفراد مهما كانت مواقع أولئك الأفراد ومهما كانت رمزيتهم واعتباريتهم في الدولة والمجتمع ومهما كان حضورهم في فعالياتها طاغيا أو واهيا .
يجب علينا جميعا -فرادى وجماعات- أن نخلع العباءة السياسية الواصفة و نزيل اللحاف الحقوقي الشفاف و نستعيض عنهما برداء الوطنية الجامع ؛ خدمة للأمة الشنقيطية أولا وإسهاما في حل أو تقليص مشكلات الأمة العربية والإسلامية .
على كل المؤسسات الإعلامية الوطنية أن لا تفوت هذه السانحة التاريخية في أن يكتب لها تقديم بلدها في صورته الناصعة وثوبه القشيب ؛ فضيوف بلادنا اليوم من الأهمية والوفرة والمكانة بمكان ، وغاية الضيف حفاوة الاستقبال وإغداق الكرم ، وإكرام الضيف لم يكن قط بتقديم العيب وإظهار المساوئ ونشر الغسيل والتهويل ورفع الصوت بالعويل ..!
صحيح أن علينا المساهمة في تنظيف الشوارع وشفط مياه الأمطار ؛ تخفيفا من حدة المشهد -القاهر والمشين- المتولد عقب كل تهاطل للأمطار بفعل غياب صرف صحي متكامل وفعال في العاصمة ؛ لكن ذلك لا يبرر استغفال العقول بأخذ الصور الاستدرارية للجيوب ،الاستعطافية لما لدى للشعوب ،التكسبية غالبا، والتي لا يتجاوز تطوع صاحبها ثواني التقاطها !؟ .
على شعرائنا ومثقفينا أن يستغلوا الحدث بحجمه إيصالا لرسالة شنقيط الثقافية بكل تجلياتها الحضارية ؛ بأعلى مستوى وأقوى تقديم وأظهر استحضار ؛ عرفانا برياديتها وتذكيرا بأهمية دورها الإشعاعي الضارب في القدم والمشهود في كل البيوت والخيم ، وعليهم أن لا يغفلوا عن ذكر والتذكير بالقضايا الوطنية والعربية الجامعة كقضية *فلسطين* وخطر الحروب والتناحر الحاصل في بعض الدول العربية والذي يتضرر منه الأطفال و النساء قتلا وحرقا وتمزيقا وتشريدا قبل غيرهم ، وعليهم أن لا يفوت عليهم ذكر أيام الإسلام الأولى والتنبيه لوسطيته وجامعيته ؛ التي هجر العرب ذكرها واستحضار معناها والترسم بمبناها مما زاد الشرخ عمقا والفرقة اتساعا والفتنة تأجيجا .
على صناع القرار فينا زيادة الإسهام في إنجاح هذه القمة بالحديث ولو جانبيا عن سبل مستحدثة لتقوية اللحمة العربية ؛ كنزع التأشرة مثلا بين البلدان العربية ، وتعزيز العلاقات البينية بتقوية الروابط الثقافية أولا لأنها الجامع الأساسي للأمة بلا خلاف، ثم تدعيمها اقتصاديا وسياسيا ؛ وبالتالي يحصل التكامل أمنيا .
علينا جميعا أن نستغل ظرف المكان والزمان للتعبير الحسن الجامع الموالف وتجنب ما سوى ذلك ؛ فأيام المكاشفات البينية ،والمماحكات السياسية ،والمناكفات الفكرية ،والسجالات الأدبية ،والردود الإعلامية ،والارتدادات الحقوقية ؛ أكثر ،وأوقات توظيف قضاياها أرحب .