بعد أيام معدودات يحل شهر الرحمة والمغفرة ، يحل بفيوضه الكبيرة ، ونفحاته الجليلة، وهكذا يتأهب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لاستغلال أيامه ولياليه بما يؤهلهم لمرضاة ربهم عز وجل ،
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يندب أصحابه في نهاية شعبان قائلا :(لقد أظلكم شهر عظيم تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبوب النيران وتصفد فيه مردة الشياطين وينادي مناد من قبل الله يا باغي الخير أقبل و يا باغي الشر أقصر ولله في كل ليلة من لياليه عتقاء من النار.)
وهذا لعمري كاف لأن يحرك في كل مسلم دوافع الخير ويحدوه لنيل الدرجات العلى ، ولأن شهر الصيام أيام معدودة والأيام من جموع القلة ولأنها تمر بسرعة فائقة كان لزاما على باغي الخير أن يشمر ويستعد وذلك بأن يفرح ويسر أن الله أمهله حتى أوصله إلى موسم الفضل والعتق من النار، فحذار من الانهزام الذي يصيب الكثيرين قبل حلول الشهر الكريم متعللين بحرارة الجو وطول النهار وصعوبة المكابدة فليس كل ذلك إلا الأجور والزلفى لله سبحانه وتعالى، وزيادة على الفرح وشكر الله لإمهاله لا بد لكل ذي همة أن يضع برنامجا طموحا وواقعيا نابعا من قدراته وظروفه وأن يلزم نفسه به على أن يكون هذا البرنامج مركزا على:
- القرآن - الذي فضل به الشهر على سائر الشهور- تلاوة وتدبرا وتفهما وصلاة به، مركزا على الكم والكيف معا ، وصلاة التراويح مع إمام مجيد يسعى المرء إليه ولو من بعيد حتى يعقل ويعيش القرآن غضا طريا كما أنزل.
- وبعد هذه المائدة العطرة لا ينسى عالي الهمة الفقراء والمحتاجين متذكرا أن إحدى حكم الصوم هي تذكر ضعفاء الأمة فيجود بما عنده ولو قل، (من فطَر صائما كان مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا) ثم قال: (ولو على جرعة ماء) خصوصا في فترة عز فيها الماء ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان ، فهذا الشهر شهر الجود حين يسمع المسلم ويعي عن الله نداءه المتكرر بالنفقة والعطاء.
- أما العنصر الثالث من هذا البرنامج فهو الدعاء للنفس والأهل والأمة ، كيف لا وقد جعل الله الدعاء والاستجابة له في ثنايا آيات الصيام حتى ننتبه إلى أهمية الدعاء خصوصا عند الإفطار وفي وقت السحر ودبر الصلوات وبين الأذانين فقَمِنٌ أن يستجيب الله لعباده في موسم القرب
إن المتأمل لمجمل هذه القُرَب - والتي يتنافس فيها الأخيار في هذا الشهر- يجد أعظمها الفرائض ففي الحديث القدسي (...وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) فالله الله في الفرائض وخصوصا الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فمن السهل ضياعها بسبب النوم أو بسبب صعوبة الصوم في الصيف لكن هل يعقل أن يضيع الصوم الصلاة ؟؟ّ
والآن وقد أزف واقترب موسم الخيرات والبركات فلنعقد جميعا العزم على الصوم ولنستقبله بتوبة صادقة وعفو عام ليتأهل القلب لاستقبال نفحات الله عز وجل وليتحلَّ بعد أن تخلى ،
أسأل الله عز وجل لي ولكل المسلمين في المشارق والمغارب أن يبلغنا رمضان وأن يوفقنا لصيامه وقيامه إيمانا واحتسابا إنه ولي ذلك والقادر عليه.