يستمر عمال الشركة الوطنية للصناعة و المناجم في إضرابهم عن العمل للأسبوع الثالث على التوالي حيث لم يلح بعد أفق للحل حتى الآن... في هذا الجو تبدو الشركة مصرة على متابعة إجراءاتها ضد العمال و خاصة الذين يعتقد أنهم يحركون و يعبئون العمال المضربين من ناحية و من ناحية أخرى تظهر اسنيم عدم مبالاتها بالمضربين بل و تزعم أن إضرابهم لا يؤثر على مسار إنتاجها المقرر... على الضفة الأخرى يبدو أن العمال مصرون بما فيه الكفاية على مواصلة حراكهم الذي طال أمده عكس ما كانوا يتمنونه... في سبيل المحافظة على تماسكهم –و كمؤشر على طول النفس- يحاول العمال تطوير أطرهم التنظيمية سبيلا إلى سد الطريق أمام العمال الذين يتسلل الإحباط إلى نفوسهم بفعل طول أمد الإضراب من خلال لجان المتابعة و تقسيم العمال الى مجموعات حسب المصالح و القطاعات و هو ما جعلهم بالفعل يحافظون على قدر كبير من التماسك الداخلي إضافة إلى تنظيم مسيرات صباحية و مسائية تنطلق من أطراف المدينة لتلتقي في الساحة المرخصة لهم قبالة سينما اسنيم في قلب المدينة حيث الخطابات و الأغاني الحماسية و- أيضا - حيث يتم استقبال الداعمين من مختلف المكونات الشعبية و المدنية التي أبدت تعاطفا غير محدود و لا مسبوق مع العمال في مواجهتهم هذه مع اسنيم... من أهم الداعمين كان المعلمون و الاساتذة و عمال الصحة و منمو المواشي و غيرهم و بذلك تكون المدينة قد عبرت بكليتها عن احتضان العمال في جولتهم هذه... في هذا الجو تبقى الإدارة المحلية مكتفية بدور المراقب عن بعد و خاصة أن قادة الإضراب كفوها –مشكورين- مؤونة ضبط حراكهم في الحدود التي تم رسمها لحركتهم ضمن الأماكن و المسارات المتفق عليها.
منذ أيام الأزمة الأولى حاولت عدة جهات الدخول على الخط في محاولة لإنقاذ الموقف... كانت تلك الجهات ذات أهداف مختلفة فبعضها كان هدفه إفشال الحراك العمالي عبر إقناع العمال بضرورة التخلي عن الإضراب و الالتحاق بأماكن عملهم (الحزب الحاكم-النقابات الموالية-بعض الوجهاء) بحجة أن الشركة ليست في وضعية مالية تسمح لها بتقديم شيء للعمال... و بعض آخر حاول انتهاج خط وسط يؤدي إلى حل توافقي يأخذ في الحسبان وضع الشركة من ناحية و يقدم للعمال ما أمكن من ناحية أخرى (مجموعة من الأئمة-بعض النقابات-بعض المنتخبين المحليين-بعض الفنيين السامين) ... هؤلاء يرون أن الاستمرار في الوضع الحالي ما هو إلا حركة في طريق مسدود لن يؤدي إلى خير... من المؤسف أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل... و تبقى الأسئلة المهمة :
إلى متى يمكن أن يستمر وضع العمال على حاله هذا جيئة و ذهابا يوما بعد يوم؟...
و إلى متى سيصمد العمال في وضعية الجيئة و الذهاب تلك دون رواتب و دون خدمات الصحة و التموين و دون شغل؟...
و إلى متى ستظل الشركة في غنى عما يزيد على 80 بالمائة من عمالها الميدانيين؟...
و إلى متى ستظل الأمور على روتينها الهادئ الذي لا ينغص الهدوء و السكينة العامة؟...
و إلى متى ستصمد الأسواق دون نقود بعد تجفيف مصدرها الرئيسي؟...
تلك بعض أهم الأسئلة التي يحسن بالجميع تأملها بعمق و صدق و إخلاص لعل ذلك التأمل يقود إلى كلمة سواء... من الصعب تصور هذه الكلمة السواء في جو تسوده عقلية " أنا أربح و أنت تخسر" ... هذه العقلية المسيطرة الآن على جميع الأطراف يجب أن تزول لتحل محلها عقلية أخرى بناءة شعارها " الكل يربح" ... العمال و الشركة و المدينة...هذا التحول في العقلية يتطلب جوّ حوار بناء و صادق و مسؤول... في مناخ هذا الجو يمكن وضع تصور لما يمكن و يجب أن تؤول إليه الأمور في نقاط عملية محددة:
أولا: فتح باب الحوار الجاد دون شروط أو ضغوط
ثانيا: وجود جهة ثقة تدير دفة الحوار بنزاهة و إخلاص و لتكن السلطات المحلية بقيادة والي تيرس زمور
ثالثا: التحاور حول أهم النقاط العالقة:
دفع علاوات سنوية للعمال تتناسب مع إنتاج و أرباح سنة 2014 (و تناسبا مع ما تم خلال 2013).
التزام الشركة بزيادة عامة (محددة) للأجور فور ارتفاع سعر خامات الحديد في الأسواق إلى المستويات المقبولة.
التوافق على ميثاق شرف يقضي بالتزام جميع الأطراف بالعمل على حل ما تبقى من الأمور العالقة عبر الحوار البناء و التفاهم الهادف إلى صيانة المكتسبات بالإضافة إرساء قواعد شراكة حقيقية بين المؤسسة و عمالها.
توقف جميع الاطراف عن الأنشطة التصعيدية في الحال و عودة الحال الى وضعه قبل الإضراب في 28/01/2015.
رابعا: يحسن ببعض الأطراف أخذ مسافة من الإضراب حتى لا تزيد الطينة بلة و خاصة الأطراف السياسية الموالية و المعارضة و بعض الوجهاء المولعين بالتدخل دون جدوى في مثل هذه الحالات العصية.
خامسا: يحسن بالأطر الفنيين (من غير الإداريين لأنهم طرف) المساهمة الفعالة في قوة الدفع نحو حل توافقي يحفظ على المؤسسة سلامة سيرها و يجنبها ما لا تحمد عقباه في غياب خدمات الصيانة... فتلك مسؤولية تاريخية عليهم أن يتحملوها في هذه اللحظة التاريخية الحرجة...من المعيب أن يبقى هؤلاء –و هم من يتحمل العبء الأكبر تقنيا- قوة خاملة لا دور لها لا وزن تماما كحال من يقضى الأمر في غيابهم و لا يستأذنون و هم شهود.
" ويقضي الأمر حين تغيب تيم*** ولا يستأذنـون وهم شهـود "
بدون ذلك يمكن للمرء أن يتخيل ما شاء الله من مسالك و مآلات السوء و الخراب ... ذلك أن استمرار الحال من المحال و صبر العمال على ذلك الحال له حدود... و المؤسسة يمكن أن تستمر في تسيير قطاراتها –رغم المخاطر- لبعض الوقت... و لكن ستأتي لحظة الحقيقة لا محالة و لا مفر ... و لكي يبقى الأمل في أن تكون لحظات المستقبل لحظات خير و عافية و هدوء و سكينة لا بد من فعل شيء ما... و ليكن هذا الشيء مزيدا من المقترحات و المبادرات المؤدية إلى حل بناء و صادق.
نسأل الله أن يحفظ الجميع و يوفقهم لما فيه خير المؤسسة و قوتها و ازدهارها و استمراريتها.
المهندس .أ. و لد محمد عبد الرحمن.
___________________________________________
ملاحظة:
الكتابات أوالآراء الواردة في الموقع لا تمثل بالضرورة وجهة نظر الموقع وإنما تمثل وجهات نظر أصحابها.