توجد الآن في صندوق بريد الرئيس عدة رسائل في غاية الأهمية، وقد تكون أيام العطلة التي يقضيها الرئيس في بوادي" تيرس" هي الفترة الأنسب لقراءة هذه الرسائل. المشكلة الكبيرة التي تطرحها هذه الرسائل هي أن كل رسالة منها يمكن أن تقرأ بطريقتين مختلفتين بل ومتناقضتين، وبطبيعة الحال
فإن كل طريقة لقراءة أي رسالة من تلك الرسائل ستترتب عليها ردة فعل مختلفة.
الرسالة الأولى: من الشعب إلى الرئيس
إن الرسالة غير المشفرة التي وضعها الشعب الموريتاني في صندوق بريد الرئيس خلال أيام التعزية في وفاة المرحوم بإذن الله "أحمدو" يمكن القول بأنها كانت رسالة فصيحة وصريحة مفادها أن الشعب الموريتاني قد وقف عن بكرة أبيه مع الرئيس في محنته، وأن هذا الشعب لم يقصر في تقديم التعازي ولا في إظهار مشاعر الحزن خلال أيام التعزية. لقد وقف الشعب الموريتاني بنخبه وعامته، بمعارضيه ومواليه، برجاله ونسائه، بشيوخه وشبابه مع الرئيس في محنته، فهل سيقف الرئيس مع هذا الشعب في محنه التي لا يتسع المقام لبسطها ولتعدادها؟ وهل سيبدأ الرئيس في فتح صفحة جديدة مع شعبه الطيب الذي لم يقصر في مواساة الرئيس ولا في تقديم التعازي له؟
إن القراءة السليمة لرسالة الشعب الموريتاني لتفرض على الرئيس أن يبدأ بفتح صفحة جديدة مع شعبه يكون عنوانها الأبرز: إني سأكون ـ ومن الآن ـ في خدمتكم بالأفعال لا بالشعارات.
ويبقى هناك احتمال وارد وهو أن يقرأ الرئيس رسالة الشعب الموريتاني بطريقة أخرى مختلفة، بل ومناقضة للقراءة الأولى، فيمكن له أن يقرأها بطريقة تقول بأن ما أظهره الشعب الموريتاني خلال أيام التعزية لم يكن إلا تعبيرا صادقا عن التفاف الشعب الموريتاني حول الرئيس وبرنامجه الانتخابي. هذه القراءة الخادعة أو الخداعة لا بد وأنها ستصيب الرئيس بالغرور، وستحرمه ـ بالتالي ـ من أن يغير أسلوبه في الحكم، وفي إدارة للشأن العام، وهو ما يعني بأن الشعب مقبل على أيام عصيبة.
الرسالة الثانية: كفى بالموت واعظا
تعرض الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" خلال فترة وجيزة من حكمه لمواقف وتجارب صعبة لم يتعرض لها أي رئيس موريتاني في فترة مماثلة.
فمن الرصاصات الصديقة التي كادت أن تتسبب في وفاة الرئيس، إلى وفاة الأخ الشقيق، ثم إلى فاجعة الثلاثاء التي راح ضحيتها الابن الشاب وهو لا يزال في مقتبل عمره. إن القراءة الذكية لهذه الرسائل أو الأحداث المتتالية والمؤلمة لتستدعي من الرئيس أن يزهد قليلا في السلطة، وأن يعلم بأنه يمكن لكل واحد منا أن يخطط لأمور كثيرة، ويمكن للأمور أن تظل تسير في الاتجاه الذي كنا نخطط له، ويمكن للأقدار أن توهمنا بأن الأمور تسير فعلا في اتجاه ما خططنا له، وذلك من قبل أن تأتي لحظة فاصلة تنسف كل ما خططنا له، وتقلب الأمور رأسا على عقب.
هناك قراءة أخرى مناقضة لهذه، ولكني لن أتحدث عنها هنا.
الرسالة الثالثة: تودد المعارضة
لم تتأخر المعارضة في تقديم التعازي والمواساة، ولقد تعددت الرسائل التي أبرقتها للرئيس خلال أيام التعزية، وستبقى رسالة رئيس المنتدى التي وجهها عبر البريد السريع والمضمون وفي صيغة مقال هي الرسالة الأبرز، وذلك لأنها جاءت من رئيس أكبر كتلة معارضة، ولأنها أيضا قد كتبت بلغة وبأسلوب جعل البعض يعتقد بأن المعارضة قد أصبحت تستجدي وتتوسل الحوار.
يمكن للرئيس أن يقرأ رسائل المعارضة بتلك الطريقة، ويمكن له أن يعرقل الحوار في انتظار أن تظهر المعارضة تذللا أفصح وضعفا أوضح. هنا يكون الرئيس قد قرأ رسائل المعارضة قراءة غير موفقة، وعلى الرئيس أن يعلم بأن المعارضة لما دعت إلى مسيرة في يوم 18 دجمبر لبى الآلاف إن لم أقل عشرات الآلاف من المواطنين دعوتها.
إن القراءة الفطنة لرسائل المعارضة لتستوجب من الرئيس أن يستغل الفرصة المتاحة له الآن، وأن يطلق حوارا جديا وشاملا في أقرب وقت، وذلك من قبل أن تضيع هذه اللحظة الفريدة من نوعها، والتي خفت فيها الأحقاد، وغابت فيها لغة السب والشتم والتخوين، والتي كانت قد طغت على الخطاب السياسي في الفترة الأخيرة.
الرسالة الرابعة: رسائل خاصة من بعض المعزين
إن من فوائد الخروج في سبيل الله الذي تعتمده جماعة الدعوة والتبليغ هو أن الخارج في سبيل الله يتمكن خلال أيام خروجه من هجر البيئة الفاسدة ( أصدقاء السوء مثلا) والذهاب إلى بيئة صالحة (المساجد). إنه من الصعب جدا أن يستقيم شخص ما وهو بين رفقة سيئة، وإنه لمن الصعب جدا أن يسوء دين شخص ما وهو يعيش مع رفقة صالحة وفي بيئة صالحة. طبعا ستبقى هناك حالات استثنائية فقد نجد الشخص الصالح الذي يعيش في وسط فاسد، وقد نجد الشخص الفاسد الذي يعيش في بيئة صالحة، ولكن هذه تبقى مجرد استثناءات تؤكد صدق القاعدة.
إن على الرئيس أن يغير من بيئته في الفترة القادمة، وأنا أقصد هنا بطانته ومستشاريه، وعليه أن يعطي لأولئك الأشخاص الذي سارعوا في تعزيته، وزاحموا من أجل أن يوصلوا تعازيهم، وذلك على الرغم من أنهم لم يبذلوا من قبل ذلك أي جهد في سبيل لقاء الرئيس، ولم يأتوه يوما من أجل مصلحة خاصة. إن على الرئيس أن يمنح لمثل هؤلاء مكانة خاصة، وعليه أن يطلب منهم المشورة والنصح، فهو إن طلبها منهم فإنهم سيخلصون له في المشورة وفي النصح. إن هؤلاء الذين لم يطرقوا يوما باب الرئيس من أجل مصلحة خاصة، ولن يطرقوه مستقبلا من أجل مصلحة خاصة، ومع ذلك فقد سارعوا إلى تعزيته ومواساته، إن هؤلاء هم الذين يجب على الرئيس أن يعتمد عليهم في الفترة القادمة، وخاصة عندما يكون بحاجة إلى من يقدم له المشورة والنصح، وما أحوج الرئيس للمشورة والنصح في مثل هذه الأيام.
حفظ الله موريتانيا..
____________________________________
ملاحظة:
الكتابات أوالآراء الواردة في الموقع لا تمثل بالضرورة وجهة نظر الموقع وإنما تمثل وجهات نظر أصحابها.