
العقيد فياه ولد المعيوف… سيرة قائد مؤسس في تاريخ القوات المسلحة الموريتانية
في ذكرى عيد القوات المسلحة 25 نوفمبر 2025م يتجدّد الحديث عن رجالٍ نذروا حياتهم لبناء هذا الوطن وصون حدوده، وكانوا من اللبنات الأولى التي قامت عليها المؤسسة العسكرية الموريتانية. ومن بين هؤلاء يقف اسم العقيد فياه ولد المعيوف شامخاً في سجل الأبطال، بوصفه أحد أبرز الضباط الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ الجيش الوطني وخصوصاً في تأسيس وتطوير جهاز الدرك.
البدايات الأولى من التعليم إلى التجنيد.
وُلد العقيد فياه سنة 1935 في قرية يغرف الواقعة غرب مدينة أطار بنحو 70 كيلومتراً. بدأ حياته المهنية معلماً ومديراً في مدرسة ابتدائية بمدينة ودان التاريخية خلال الخمسينيات، قبل أن يتخذ قراره المصيري سنة 1958 بالالتحاق بالقوات الفرنسية في موريتانيا، ليكون أول موريتاني يُكتتب في الجيش الوطني خلال الفترة الاستعمارية.
وفي يوم الاستقلال 28 نوفمبر 1960، كان الملازم فياه أول من يرفع العلم الوطني معلناً ميلاد الدولة الوليدة.
مؤسس جهاز الدرك الوطني
بعد الاستقلال عهد الرئيس المختار ولد داداه إلى فياه بتأسيس وحدة الدرك الوطني، فكان المكوّن الأول لها ومهندس هيكلها ومؤطّر رجالها، ليجعل منها أحد أكثر فروع الجيش انضباطاً وكفاءة. وقد قاد هذا الجهاز الحيوي حتى سنة 1978، مسطّراً صفحة مشرقة في تاريخ الأمن العسكري الموريتاني.
قائد ميداني وصانع انتصارات
سطع نجم العقيد فياه خلال حرب الصحراء: (1975–1978)، حيث قاد الوحدات الموريتانية في عدد من أصعب المعارك. فقد تولّى قيادة العمليات في وادي الذهب منذُ الأيام الأولى للحرب، وحقق مع قواته سلسلة تقدّمات لافتة:
11 ديسمبر 1975: معركة السيطرة على لݣويرة.
22 ديسمبر 1975: دخول تشلة وإخلاء المقاتلين الصحراويين لها.
11 يناير 1976: السيطرة على مدينة العرگوب بعد حصار طويل.
6 فبراير 1976: رفع العلم الوطني فوق مدينة أوسرد بعد معركة ضارية دامت 15 يوماً وكانت من أعنف معارك الحرب.
كما لعب دوراً محورياً في إفشال هجوم جبهة البوليساريو على نواكشوط في 5 يونيو 1976، حين قطعت قواته منطقة تورين ومنعت انسحاب المجموعة المهاجمة بعد مقتل قائدها الولي مصطفى السيد.
وقد خُلّدت بطولاته في الذاكرة الشعبية وأدب "لغن" الحساني، حيث تغنّى به الشعراء ورأوا فيه رمزاً للشجاعة والانضباط.:
الله الله الله ===== طلّع درجت فياه
ليلتْ خبطتْ تورين====أظهر فيها مزّاه
ماصلَّ بعد إلين===== ما خلَّ حد أوراه
كانت الأنباء القادمة من الشمال تتحدث عن بطولات العقيد فياه ولد المعيوف في ساحات الوغى، وتصديه لوحدات البوليساريو وكان مصدر قلق لهم،
يقول احدهم:
اسك مفصلن يالمعبود ==== إفيّاه إفمَشِ فياه
عنّ هك، إفياه إعود ===== تلْ ابعيد ءُ فياهْ إلاه
وهذا الشاعر الملك همام يقول في مدح فياه رحمهما الله :
موريتان اتقدم حته **** محد اف قواتو فيــــاه
والا عند امنين اوفكته **** فيـــاه استغفرن لله
فياه المعلوم النزيــــــه**** بوزنفه لغليــــــــــــــــظ الوجيه
الطاهر لكريـــــــــــم ابديه**** لعرب كاع ابلا حكـــــــم امعاه
ما يكدر عربي يطفش فيه**** او لايكدر عربي يتلقـــــــــــاه
ابخاسر والشاعر يبغيـــــه**** والطامع والي كال اعـــــــلاه
فياه الفات ازهز بيــــــــــه**** اعل حبل الركه مشـــــــــــاه
واللي كامل لاه اناصيـــــه**** بالزنفه والله مول اجــــــــاه
لاه يتحتت بين ايديــــــــــه**** لين اساو وجه واكفـــاه
كان العقيد فياه من الضباط المخلصين للرئيس المؤسس المختار ولد داداه، ورفض المشاركة في انقلاب 10 يوليو 1978، ما جعله يُوضع تحت الإقامة الجبرية.
وفي محاولة 16 مارس 1981 الانقلابية، اقترح الانقلابيون جعله رئيساً انتقالياً، لكن الأحداث انتهت دون تورّط منه، وتم حلّ الموقف معه سلمياً بعد حصار منزله.
في تسعينيات القرن الماضي عاد الرجل إلى الساحة العمومية داعماً للديمقراطية الناشئة، وكان من أبرز الشخصيات المساندة لمرشح المعارضة أحمد ولد داداه في انتخابات 1992، ليصبح منزله في توجنين من أبرز نقاط تنسيق المعارضة آنذاك.
رحل العقيد فياه ولد المعيوف بعد مسيرة حافلة كان فيها:
مؤسساً لجهاز الدرك الوطني،
وأول ضابط يرفع العلم الوطني في يوم الاستقلال،
وأحد أبرز القادة الميدانيين خلال حرب الصحراء،
وشخصية وطنية تركت بصمة قوية في تاريخ الدولة الحديثة.
إن رجلاً بتضحياته وإسهاماته يستحق التكريم الرسمي عبر إطلاق اسمه على منشأة وطنية — شارع، أو أكاديمية عسكرية، أو مَعْلَم وطني — تخليداً لذكراه وجهاده في سبيل الوطن.
رحم الله الوالد العقيد فياه ولد المعيوف، وأسكنه فسيح جناته..وإنا لله وإنا إليه راجعون.

(1).png)
.gif)


