مساحة إعلانية

سعر الحديد تركيز: 62%

 

99,12 $    

مساحة إعلانية

Résultat de recherche d'images pour "‫مساحة اعلانية‬‎"

تابعونا على الفيس

فيديو

التوثيق التاريخي لإمارة ٱدرار.... لمرابط محمد الخديم

ثلاثاء, 18/11/2025 - 10:01

التوثيق التاريخي لإمارة آدرار: قراءة في ندرة المصادر وإشكالات السرد الاستعماري

    تُعدُّ شخصية الشنافي رحمه الله إحدى المرجعيات التي لم يُستثمر تراثها العلمي والتاريخي بالشكل اللائق، رغم ما كان يمثّله من قيمة معرفية فريدة. ومما يزيد الأمر تعقيدًا أنّ إمارة آدرار—بمكانتها السياسية والاجتماعية—لم تحظَ بتوثيق وافٍ، واقتصر الاهتمام بها على إشارات متفرقة أو دراسات محدودة غالبًا ما جاءت من منظور المستعمر أو من تأثروا بسرده وتقويمه للأحداث.

     لقد ساهم هذا الواقع في تشكيل صورة غير مكتملة عن الإمارة، لا تُظهر عمقها التاريخي ولا الدور الجوهري الذي لعبته في مقاومة التوسع الأوروبي وفي صياغة البنية الاجتماعية والسياسية للمنطقة. 

      وتظلّ الحاجة ماسّة إلى مزيد من الدراسات المنهجية التي تعتمد على المصادر المحلية غير المستثمرة، وعلى الروايات الشفوية الدقيقة، من أجل بناء سردية تاريخية أكثر توازنًا وعدلًا، تكشف الدور الحقيقي لإمارة آدرار ورموزها في مسار التاريخ الموريتاني.

 

    ينقل الدكتور حماه الله السالم رواية ذات دلالة بليغة عن المؤرخ الشنافي رحمه الله، حين كان بصدد إعداد المرافعة الموريتانية أمام محكمة لاهاي للدفاع عن "أتراب أهل الخيام". التفت الشنافي إلى اعلي ولد علاف (رحمه الله) وقال له:

"نعّتْ لِ اعل الخريطة بل امْنينْ تلْحگ خيلْ احْيَ بنْ عثمان وابْرَ امْن اعگابْ لخْبارْ"؛

    أي أراد منه أن يحدد بدقة حدود نفوذ خيل إمارة يحي بن عثمان، ليبني عليها بقية مرافعته.

   هذه الإشارة ليست مجرد حكاية تاريخية، بل تكشف حجم الفراغ التوثيقي الذي عانت منه إمارة آدرار، إذ بقي أغلب ما كتب عنها حبيس الروايات الاستعمارية أو المتأثرة بها. 

    ورغم الجهود الفردية المحدودة لتصحيح الصورة، ما تزال الكثير من جوانب تاريخ الإمارة غائبة أو مشوّهة.

    لقد كتبتُ – في هذا السياق – بعض المقالات حول رموز الإمارة وإن كانت قليلة قياسًا بقيمة آدرار التاريخية والسياسية. من بينها:

    «أبُ المقاومة سيدي ولد مولاي الزين: حقائق تُنشر لأول مرة»،

    «الأمير المجاهد سيدي أحمد ولد عيدة: مسيرة جهاد»،

و «تكريم يستحق كتابة التاريخ»،

إلى جانب مقال سابق عن الأمير العادل أحمد ولد أمحمد، الذي عُرف بالصرامة والعدل وحسن إدارة الحكم.

  ونظرًا للاتفاقية التاريخية التي تربط الأمير أحمد ولد أمحمد بالإسبان، وللنسخة التي يُسلّمها اليوم الأمير الحالي محمد ولد أحمد عيدة من المعاهدة الموقعة بين إمارة آدرار وإسبانيا عام 1886م ، لكل من والي آدرار وسفير إسبانيا في شنقيط، فإنه لا مانع من إعادة نشر المقال الخاص بالأمير العادل، على أن تُعاد تباعًا بقية المقالات في هذه المناسبة الوطنية المجيدة.

 

الأمير العادل أحمد ولد أمحمد:

    سيرة قائد نادر جمع بين الدين والسياسة والعدل.

 

     وصلتني صورة لقبر الأمير أحمد ولد أمحمد، وبشيء من الأسف وجدتُ ضريحه شبه مندثر بلا معلم يدل عليه، رغم مكانته الاعتبارية ودوره المركزي في تاريخ إمارة آدرار. دفعني ذلك إلى إعادة قراءة ما كُتب عنه، وإلى التساؤل:

 

    كيف يُهمل قبر رجلٍ لقّب بـ«الأمير العادل»، وحكم إمارة مترامية الأطراف، وعقد اتفاقيات دولية، وحقق الأمن في منطقة شهدت تاريخيًا صراعات معقدة؟

    يسعى هذا المقال إلى إحياء ذكرى هذا الأمير، وإبراز عدالته وصرامته في زمن غلبت عليه روايات مشوشة كتب أغلبها الاستعمار أو من يدور في فلكه. كما يسلط الضوء على الطبيعة المقاومة لإمارة آدرار، وما ترتب عليها من تهميش تاريخي مقصود.

 

أولًا: السياق التاريخي وإشكالية التوثيق

 

    لم تحظَ إمارة آدرار – على خلاف مناطق أخرى – بتوثيق كافٍ، وهو ما يرجع إلى مقاومتها الشرسة للاحتلال الفرنسي. فالمصادر المتوفرة اليوم غالبًا ما كتبها المستعمر أو كتّاب محليون متأثرون بالسردية الاستعمارية، مما أدى إلى تغييب قامات بارزة مثل:

    الشريف سيدي ولد مولاي الزين، الذي قتل كزافي كابولاني، مهندس الاحتلال.

    الأمير المجاهد سيدي أحمد ولد عيدة، الذي واصل المقاومة حتى استشهاده سنة 1932م، ليختتم بموته فصل المقاومة المنظمة في موريتانيا.

   وللتعويض عن هذا النقص، خصصتُ للقائدين بحثين منشورين على الشبكة، حرصت فيهما على تقديم وثائق جديدة وشهادات منصفة.

 

ثانيًا: شخصية الأمير أحمد ولد أمحمد

 

   برز الأمير أحمد بن أمحمد بعد وفاة جده القوي أحمد ولد عيده، وفي ظل صراعات داخلية دامت عقدًا كاملًا. وعُرف منذ شبابه بالصرامة والعدالة، حتى أصبح لقب «الأمير العادل» قرين اسمه.

   تميّز الأمير بالورع والزهد، وابتعد عن العادات التي لم يكن يراها مناسبة لمقام الأمير مثل التدخين ومجالسة الفنانين.

وقد أثنى عليه المؤرخ السنغالي مامادو با الذي عُرف بموضوعيته، مما يمنح شهادته وزنًا علميًا إضافيًا.

     حفظ القرآن، ودرس علوم الشريعة، وكان مولعًا بالتاريخ الإسلامي. كما اهتم برعاية العلماء والزوايا والإتباع، إدراكًا منه لدورهم في نهضة المجتمع.

 

ثالثًا: سياسة الحكم وتطبيق القانون

 

1. استقلال القضاء

 

   أسس الأمير مجلس قضاء مستقلا، تُنفّذ أحكامه دون استثناء، بما يعكس احترامه للشريعة وإيمانه بأن العدالة أساس الحكم.

 

2. عقوبات رادعة لحماية الأمن العام

 

   كان حازمًا في ردع الجرائم. ومن أبرز قراراته:

مضاعفة غرامات الاعتداء على المواشي والممتلكات (أربعة أضعاف).

تنفيذ العقوبات الشرعية دون تردد.

    حرق الخيام وفرض غرامات باهظة على مرتكبي القتل.

    معاقبة من استغلوا ناقتين بدون إذن، رغم شفاعة الوجهاء، مما أثار غضبه ودفعه للقول:

 

   "أنا حفيد عثمان بن لفظيل… أتحمل أمام الله وأمام الكون مسؤولية أمن هذا البلد".

 وقد شاع خبره في آدرار، فاطمأن الناس واستقرت الأوضاع.

 

3. هيبته بين الناس

 

تروي المصادر قصة الحمار الذي تجوّل في موسم "الكيطنه" محملًا باللحم المشوي وسكين فوقه، دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منه، دليلًا على هيبة الأمير ورسوخ العدالة في عهده.

وتأكيدا لما أسلفنا نجد الشاعر ولدالمبارك اليمين يلخص لنا هذه المواقف في قطعة من (لغن الحساني) بقوله:

مِنْ عَافِيتْ أحْمَلّ امْحَمَّدْ :: وِلْ أحْمدْ مَا يَگْبَظْ لِغـْـيَارْ

حَدْ الْ حَدْ ولا يَعْطِ حَدْ :: الْ حَدْ اتـْـلَ مَاهِ لَخْـبَارْ

بيهْ اعطاهْ الرَّبْ القديرْ :: فَضْـلْ اكْبِيـرْ وطاهْ اذْنْ اكبيرْ

مِنْ عَلامِتْ الاذْنْ التَّـيْسِـيـرْ :: مِنْ يُومْ اگْلَعْ فَـطَارْ انْهارْ

جاتْ ازْوايتْ غَبْ ابْلِكْثيرْ :: وگَـالِتْ غَبْ ازْوايتْ گَـنَّارْ

باللغُو ءُ لِعْجُولْ ءُ لِحْميرْ :: والْحُمْرْ ءُ لِعْبيدْ ولَحْرارْ

وجَاتْ السُّودانْ أهلْ التَّـفسيرْ:: واگْـنَادَ لِبْحَرْ وانـْـگِـيَّارْ

وازْوَايِتْ كَـنْـدَلَـكْ وزِيرْ :: والكُورْ ولَحْجَارْ ولِمْحَارْ

مِنْ عَافِيتْ أحْمَلّ امْحَمَّدْ :: وِلْ أحْمدْ مَا يَگْبَظْ لِغـْـيَارْ

حَدْ الْ حَدْ ولا يَعْطِ حَدْ :: الْ حَدْ اتـْـلَ مَاهِ لَخْـبَارْ

گبلْ أحمد لارَ باس العين :: أهلْ اشفاغَ الْخَطَّاطْ امنينْ

وامْنَيْنْ التِّيَّابْ امساكِينْ :: وامنينْ أهْل الْحَاج الْمُختارْ

وَانْوَشَارْ ءُ تـُورْ ادْلَيْمِينْ :: امْعَايِلْ مَشظوفْ ألَمهارْ

هَاذَ يِزْغِبْ مَافِيهْ اثْنين :: مَابطوهْ أُخزم لعشارْ

أُعَلُّ خلفُ فالسرح إِلَين :: أَلاَّ كولْ أنُّ صَابْ النارْ

ذَ كامِل مِنْ ظِلمْ احساسينْ :: منْ لَوْكَارْ اللِّ يِبْغِي طارْ

وَاظريكْ انْزِلْ حُكْمْ السِّنّينْ :: وَارْتعْ تَل إِلاَوِ لَخْظارْ

عادْ ايرَتَّعْ يَلْلاَّلُ بَيْنْ :: أهلْ الدار اللِّ كانْ امْشَارّ

واتخَاوَ واتگَابِظْ لَيْدِينْ :: واتمَوْنَكْ واتْأَنسْ وازَّارْ

مِنْ عَافِيتْ أحْمَلّ امْحَمَّدْ :: وِلْ أحْمدْ مَا يَگْبَظْ لِغـْـيَارْ

حَدْ الْ حَدْ ولا يَعْطِ حَدْ :: الْ حَدْ اتـْـلَ مَاهِ لَخْـبَارْ

جَ يَاسِرْ مِنْ شِ كَانْ اهْرُوبْ :: مَحْسُوبْ وشِ ماهُ مَحْسُـوبْ.

گُـنَانْ ودَيْمَانْ ويَـعْـقُـوبْ :: وابْـلِـحْسَـنْ واولادْ الْمختار

واللِّ نَارُ فِـلْـكَسْبْ اصْلُوبْ :: واللِّ ما يَـطْرَحْ گَاعْ النَّارْ

واللِّ نَارُ كيفْ الْمَـكْـتُـوبْ :: والكَسْبْ اللِّ يَـطْـرَحْ لِحْبارْ

وامْتَنْ مِنُّ لِحْبارْ اگْـلُـوبْ :: اغْرَابْ الْخَـلْعَ عَنُّ طَارْ

رَتَّعْ تَلْ اگْـلُوبِتْ شَـيْـرُوبْ :: وامَّـاسِ لَهْلْ التَّلْ العَارْ

مِنْ عَافِيتْ أحْمَلّ امْحَمَّدْ :: وِلْ أحْمدْ مَا يَگْبَظْ لِغـْـيَارْ

حَدْ الْ حَدْ ولا يَعْطِ حَدْ :: الْ حَدْ اتـْـلَ مَاهِ لَخْـبَارْ

گُولْ انْتَ لِلِّ كاملْ رَيْتْ :: مِنْ حَدْ اتـْـردْ اعْـليه ابْـغَـيْتْ

انْ بِـيهْ انْـحَكْـمِتْ تيـجِـرِيتْ :: والشِّگْ ولِـگْـدَيْمْ ولَـگْـرَارْ

وايْـنَالْ وحَوْمِتْ تِيـوِلِـيـتْ :: وابنْ اعْمَـيْرَ واعْـظَـمْ لِحْـبَارْ

هُوَّ مُولَ دارْ اگْدَجِـيـتْ :: والْخَطْ ومِنْ فَمْ إيلَ زَارْ

واهْـنَاتْ الْخَيْمَ والتِّيـكِيـتْ :: والنَّـجَّـارْ ، وذَ مِنْ لَخْـبَارْ

اتـْـرَاهْ إيلَ جَيْتْ اغَـمْـجِيـتْ :: والنِّـعْـمَ وادْخَـلْتْ اگْصَـارْ

واللَّ لَهْلْ اطَارْ إيلَ جَـيْتْ :: والْگَـيْتْ أهْلْ اطَارْ وخِـطَّـارْ

شِـنْگِـيطِي وارْفَـايِگْ تِشِـيـتْ :: والْگَوْمْ اللِّ كَانِتْ فِدَّارْ

ونَعْـرَفْ لَكْ عَنِّ ما عَدَّيـْـتْ :: فِـغـْـنَـايَ گِدْ ارْبـُـعْ دِينَارْ

مِنْ عَافِيتْ أحْمَلّ امْحَمَّدْ :: وِلْ أحْمدْ مَا يَگْبَظْ لِغـْـيَارْ

حَدْ الْ حَدْ ولا يَعْطِ حَدْ :: الْ حَدْ اتـْـلَ مَاهِ لَخْـبَارْ.

https://youtu.be/ZuqiNkgBx-w?si=2UX6i5UoVHx69jJe

      هذه القطعة من “لغن الحساني” للشاعر ولد المبارك اليمين تبرز قيم العدالة والإنصاف، حيث يعكس فيها مواقف أخلاقية واجتماعية تتعلق بالحكم والحقوق والولاء. مشيدا بما يتمتع به الأميرأحمد ولد أمحمد من عدل وإنصاف، إذ لا يأخذ حقوق الآخرين ولا يمنح ما ليس من حقه، بل يتمسك بالحق ويتجنب الغدر أو الظلم.

 

رابعًا: حدود الإمارة وعلاقاتها الخارجية

 

شهد عصره توسعًا كبيرًا:

حدد حدود الإمارة جنوبًا وشمالًا،

توغّل حتى وادي أدره،

   تلقى سنة 1880م رسالة وهدايا من سلطان المغرب يعترف فيها بنفوذه حتى الحدود الجنوبية للمملكة،

 

    وفي 1886م استقبل وفدًا إسبانيًا رفيعًا من "الجمعية الإسبانية للجغرافيا التجارية"، وعقد معهم اتفاقًا يعترف بالسيادة الإسبانية على نقاط في الصحراء.

 

خامسًا: الصراعات والوفاة

 

    رغم نجاحه في فرض الأمن، عانى الأمير – مثل كل قادة تلك المرحلة – من تعقيدات الصراعات الطائفية، وما يرتبط بها من ثارات وتحالفات. وفي ربيع 1891م، وبينما كانت الحلة تنتجع في تكانت، تعرّض لهجوم أصيب فيه إصابة بليغة أدت إلى وفاته.

     قبل رحيله، خاطب ابن عمه أحمد بن سيد أحمد:

"أمرر ثلاث مرات فوق جثتي… واعلم أننا سنحاسب جميعًا أمام الله".

    رحل الأمير بعد حكم دام نحو عقدين (1872–1891م)، تاركًا أثرا بارزًا في تاريخ الإمارة والبلاد.

     إنّ سيرة الأمير أحمد ولد أمحمد نموذج فريد لقيادة جمعت بين:

 

الصرامة في تطبيق القانون،

الاستقامة الدينية،

احترام العلماء والقضاء،

وحسن إدارة مجتمع قبلي معقد البنية.

     وهي شهادة دامغة على أن ما يروج في بعض الكتابات عن "السيبة" و"السطو" في المنطقة لا يعكس حقيقة الواقع التاريخي، بل يحتاج إلى إعادة قراءة موضوعية ومنصفة.

  إن إحياء ذكرى هذا الأمير وإعادة الاعتبار لقبره – الواقع على بعد 40 كلم شمال المجرية – واجب ثقافي وتاريخي، ينسجم مع روح عيد الاستقلال، ومع ضرورة كتابة تاريخ موريتانيا بموضوعية وعدل.

    ختاما: يسعى المقال إلى تصحيح الصورة التاريخية عن الأمير أحمد ولد أمحمد، وإبراز دوره في ترسيخ العدل والأمن في إمارة آدرار. اعتمد الأمير على الشريعة الإسلامية والعرف الحسانـي، وأرسى منظومة قضائية مستقلة وعقوبات رادعة ضمنت الاستقرار. وشهد عهده توسعًا سياسيًا وعلاقات خارجية مهمة، منها رسائل سلطان المغرب واتفاقية 1886 مع الوفد الإسباني. ورغم التحديات الداخلية، ظل رمزًا للعدل والحزم، مما يجعل إعادة قراءة سيرته ضرورة تاريخية.